للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ١٠٠ إلى ١٠٢]]

﴿وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً (١٠٠) الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً (١٠١) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً (١٠٢)

يقول تعالى مخبرا عما يفعله بالكفار يوم القيامة أنه يعرض عليهم جهنم، أي يبرزها لهم ويظهرها ليروا ما فيها من العذاب والنكال قبل دخولها، ليكون ذلك أبلغ في تعجيل الهمّ والحزن لهم. وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله : «يؤتى بجهنم تقاد يوم القيامة بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك» (١) ثم قال مخبرا عنهم ﴿الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي﴾ أي تغافلوا وتعاموا وتصامموا عن قبول الهدى واتباع الحق، كما قال: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ﴾ [الزخرف: ٣٦] وقال هاهنا: ﴿وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً﴾ أي لا يعقلون عن الله أمره ونهيه، ثم قال:

﴿أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ﴾ أي اعتقدوا أنهم يصلح لهم ذلك وينتفعون به ﴿كَلاّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ ولهذا أخبر الله تعالى أنه قد أعد لهم جهنم يوم القيامة منزلا.

[[سورة الكهف (١٨): الآيات ١٠٣ إلى ١٠٦]]

﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (١٠٤) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً (١٠٥) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَاِتَّخَذُوا آياتِي وَرُسُلِي هُزُواً (١٠٦)

قال البخاري (٢): حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عمرو عن مصعب قال: سألت أبي يعني سعد بن أبي وقاص عن قول الله: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً﴾ أهم الحرورية؟ قال: لا هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذبوا محمدا ، وأما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه، فكان سعد يسميهم الفاسقين، وقال علي بن أبي طالب والضحاك وغير واحد: هم الحرورية (٣)، ومعنى هذا عن علي أن هذه الآية الكريمة تشمل الحرورية كما تشمل اليهود والنصارى وغيرهم، لا أنها نزلت في هؤلاء على الخصوص ولا هؤلاء، بل هي أعم من هذا، فإن هذه الآية مكية قبل خطاب اليهود والنصارى وقبل وجود الخوارج بالكلية، وإنما هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول وهو مخطئ وعمله مردود، كما قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ عامِلَةٌ ناصِبَةٌ تَصْلى ناراً حامِيَةً﴾ [الغاشية: ٢ - ٤] وقال تعالى: ﴿وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان: ٢٣] وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ﴾


(١) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٢٩، والترمذي في جهنم باب ١.
(٢) كتاب التفسير، تفسير سورة ١٨، باب ٥.
(٣) انظر تفسير الطبري ٨/ ٢٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>