يخبر تعالى عما دار بين الكفار وبين رسلهم من المجادلة، وذلك أن أممهم لما واجهوهم بالشك فيما جاءوهم به من عبادة الله وحده لا شريك له، قالت الرسل: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ﴾ وهذا يحتمل شيئين.
[أحدهما] أفي وجوده شك، فإن الفطر شاهدة بوجوده ومجبولة على الإقرار به، فإن الاعتراف به ضروري في الفطر السليمة، ولكن قد يعرض لبعضها شك واضطراب، فتحتاج إلى النظر في الدليل الموصل إلى وجوده، ولهذا قالت لهم الرسل ترشدهم إلى طريق معرفته بأنه ﴿فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ الذي خلقهما وابتدعهما على غير مثال سبق، فإن شواهد الحدوث والخلق والتسخير ظاهر عليهما، فلا بد لهما من صانع وهو الله لا إله إلا الله هو خالق كل شيء وإلاهه ومليكه.
[والمعنى الثاني] في قولهم: ﴿أَفِي اللهِ شَكٌّ﴾ أي أفي إلهيته وتفرده بوجوب العبادة له شك، وهو الخالق لجميع الموجودات، ولا يستحق العبادة إلا هو وحده لا شريك له، فإن غالب الأمم كانت مقرة بالصانع، ولكن تعبد معه غيره من الوسائط التي يظنونها تنفعهم أو تقربهم من الله زلفى.
وقالت لهم رسلهم: ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ أي في الدار الآخرة ﴿وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ أي في الدنيا كما قال تعالى: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ [هود: ٣] الآية، فقالت لهم الأمم محاجين في مقام الرسالة بعد تقدير تسليمهم المقام الأول، وحاصل ما قالوه ﴿إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا﴾ أي كيف نتبعكم بمجرد قولكم ولما نر منكم معجزة، ﴿فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ﴾ أي خارق نقترحه عليكم ﴿قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ أي صحيح إنا بشر مثلكم في البشرية ﴿وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ﴾ أي بالرسالة والنبوة ﴿وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ﴾ على وفق ما سألتم ﴿إِلاّ بِإِذْنِ اللهِ﴾ أي بعد سؤالنا إياه وإذنه لنا في ذلك ﴿وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾