للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمم المكذبة بالرسل، وفيما قال ابن جرير نظر، والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة، فإنه قد قيل: إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصصه عليهم، لا شك أن تكون هاتان القصتان في التوراة، والله أعلم، وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذبة للرسل مما لا يحصي عددهم إلا الله ﷿ ﴿جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ﴾ أي بالحجج والدلائل الواضحات الباهرات القاطعات، وقال ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله أنه قال في قوله:

﴿لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ﴾ كذب النسابون (١). وقال عروة بن الزبير: ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان.

وقوله: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ﴾ اختلف المفسرون في معناه، قيل: معناه أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل بأمرهم بالسكوت عنهم لما دعوهم إلى الله ﷿. وقيل: بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبا لهم. وقيل: بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل. وقال مجاهد ومحمد بن كعب وقتادة: ومعناه أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم. قال ابن جرير (٢): وتوجيهه أن في هنا بمعنى الباء، قال: وقد سمع من العرب أدخلك الله بالجنة يعنون في الجنة، وقال الشاعر: [الطويل] وأرغب فيها عن لقيط ورهطه … ولكنني عن سنبس لست أرغب (٣)

يريد أرغب بها. قلت: ويؤيد مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلام ﴿وَقالُوا إِنّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنّا لَفِي شَكٍّ مِمّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ فكأن هذا-والله أعلم-تفسير لمعنى ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ﴾. وقال سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله: ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ﴾ قال: عضوا عليها غيظا (٤). وقال شعبة عن أبي إسحاق عن أبي هبيرة بن يريم، عن عبد الله أنه قال ذلك أيضا (٥). وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ووجهه ابن جرير (٦) مختارا له بقوله تعالى عن المنافقين ﴿وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [آل عمران: ١١٩]. وقال العوفي عن ابن عباس: لما سمعوا كلام الله عجبوا


(١) تفسير الطبري ٧/ ٤٢١.
(٢) تفسير الطبري ٧/ ٤٢٣.
(٣) البيت بلا نسبة في لسان العرب (ذرأ) (فيا)، وتهذيب اللغة ١٥/ ٣، ٥٨٣، وتاج العروس (فيا)، وتفسير الطبري ٧/ ٤٢٣. وفي اللسان وتاج العروس وتهذيب اللغة. «عن عبيد ورهطه» بدل «عن لقيط ورهطه».
(٤) انظر تفسير الطبري ٧/ ٤٢٢.
(٥) انظر تفسير الطبري ٧/ ٤٢٢.
(٦) تفسير الطبري ٧/ ٤٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>