مجاهد والضحاك وغير واحد من السلف وقال قتادة ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ أي لزم الإسلام حتى يموت وقال سفيان الثوري ﴿ثُمَّ اهْتَدى﴾ أي علم أن لهذا ثوابا، وثم هاهنا لترتيب الخبر على الخبر، كقوله: ﴿ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ [البلد: ١٧].
لما سار موسى ﵇ ببني إسرائيل بعد هلاك فرعون ﴿فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إِنَّ هؤُلاءِ مُتَبَّرٌ ما هُمْ فِيهِ وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٣٧ - ١٣٨] وواعده ربه ثلاثين ليلة، ثم أتبعها عشرا، فتمت أربعين ليلة، أي يصومها ليلا ونهارا، وقد تقدم في حديث الفتون بيان ذلك، فسارع موسى ﵇ مبادرا إلى الطور، واستخلف على بني إسرائيل أخاه هارون، ولهذا قال تعالى: ﴿وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى قالَ هُمْ أُولاءِ عَلى أَثَرِي﴾ أي قادمون ينزلون قريبا من الطور ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى﴾ أي لتزداد عنى رضا ﴿قالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ﴾ أخبر تعالى نبيه موسى بما كان بعده من الحدث في بني إسرائيل وعبادتهم العجل الذي عمله لهم ذلك السامري.
وفي الكتب الإسرائيلية أنه كان اسمه هارون أيضا، وكتب الله تعالى له في هذه المدة الألواح المتضمنة للتوراة كما قال تعالى: ﴿وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥] أي عاقبة الخارجين عن طاعتي المخالفين لأمري.
وقوله: ﴿فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً﴾ أي بعد ما أخبره تعالى بذلك في غاية الغضب والحنق عليهم، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم، وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم، وفيها شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله، ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم، ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفا، والأسف شدة الغضب. وقال مجاهد: غضبان أسفا أي جزعا، وقال قتادة والسدي: أسفا حزينا على ما صنع قومه من بعده ﴿قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً﴾ أي أما وعدكم على لساني كل خير في