أرسل إلى بالنبوة عزمة لرجوت فيه الفوز منه، ولكنت أرجو أن أقوم بها، ولكنه خيرني فخفت أن أضعف عن النبوة، فكانت الحكمة أحب إلي. فهذا من رواية سعيد بن بشير، وفيه ضعف قد تكلموا فيه بسببه، فالله أعلم، والذي رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ﴾ أي الفقه في الإسلام، ولم يكن نبيا ولم يوح إليه.
وقوله ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ﴾ أي الفهم والعلم والتعبير ﴿أَنِ اشْكُرْ لِلّهِ﴾ أي أمرناه أن يشكر الله ﷿ على ما آتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل الذي خصصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه، ثم قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ﴾ أي إنما يعود نفع ذلك وثوابه على الشاكرين لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾ [الروم: ١٤].
وقوله ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي غني عن العباد لا يتضرر بذلك ولو كفر أهل الأرض كلهم جميعا، فإنه الغني عما سواه، فلا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه.
يقول تعالى مخبرا عن وصية لقمان لولده، وهو لقمان ابن عنقاء بن سدون، واسم ابنه ثاران في قول حكاه السهيلي، وقد ذكره الله تعالى بأحسن الذكر، وأنه آتاه الحكمة، وهو يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه وأحبهم إليه، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف ولهذا أوصاه أولا بأن يعبد الله ولا يشرك به شيئا، ثم قال محذرا له ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ أي هو أعظم الظلم.
قال البخاري: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: لما نزلت ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ شق ذلك على أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال رسول الله ﷺ«إنه ليس بذاك، ألا تسمع إلى قول لقمان ﴿يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾»(١) ورواه مسلم من حديث الأعمش به، ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده البر بالوالدين، كما قال تعالى: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ [الإسراء: ٢٣] وكثيرا ما يقرن تعالى بين ذلك في القرآن، وقال هاهنا ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ﴾ قال مجاهد: مشقة وهن الولد، وقال قتادة جهدا على جهد، وقال عطاء الخراساني ضعفا على ضعف.
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣١، باب ١، ومسلم في الإيمان حديث ١٩٧.