للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرقائهم وفقرائهم ومحاويجهم، ويحسنون إلى الخلق مع محافظتهم على حدود الله، وهذه بخلاف صفات المنافقين، فإنهم بالعكس من هذا كله كما تقدم تفسيره في سورة براءة (١).

[[سورة الحج (٢٢): آية ٣٦]]

﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اِسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦)

يقول تعالى ممتنا على عباده فيما خلق لهم من البدن وجعلها من شعائره، وهو أنه جعلها تهدى إلى بيته الحرام، بل هي أفضل ما يهدى إليه، كما قال تعالى: ﴿لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ﴾ [المائدة: ٢] الآية، قال ابن جريج، قال عطاء في قوله: ﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ﴾ قال البقرة والبعير، وكذا روي عن ابن عمر وسعيد بن المسيب والحسن البصري، وقال مجاهد: وإنما البدن من الإبل.

(قلت) أما إطلاق البدنة على البعير فمتفق عليه، واختلفوا في صحة إطلاق البدنة على البقرة على قولين، أصحهما أنه يطلق عليها ذلك شرعا كما صح الحديث، ثم جمهور العلماء على أنه تجزئ البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، كما ثبت به الحديث عند مسلم من رواية جابر بن عبد الله قال: أمرنا رسول الله أن نشترك في الأضاحي البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة (٢). وقال إسحاق بن راهويه وغيره: بل تجزئ البقرة والبعير عن عشرة، وقد ورد به حديث في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وغيرهما، فالله أعلم.

وقوله: ﴿لَكُمْ فِيها خَيْرٌ﴾ أي ثواب في الدار الآخرة، وعن سليمان بن يزيد الكعبي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله قال: «ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من إهراق دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا» (٣) رواه ابن ماجة والترمذي وحسنه، وقال سفيان الثوري: كان أبو حازم يستدين ويسوق البدن، فقيل له: تستدين وتسوق البدن؟ فقال: إني سمعت الله يقول لكم: ﴿لَكُمْ فِيها خَيْرٌ﴾. وعن ابن عباس: قال رسول الله :

«ما أنفقت الورق في شيء أفضل من نحيرة في يوم عيد» رواه الدارقطني في سننه. وقال مجاهد: ﴿لَكُمْ فِيها خَيْرٌ﴾ قال: أجر ومنافع، وقال إبراهيم النخعي: يركبها ويحلبها إذا احتاج إليها.

وقوله: ﴿فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ﴾ وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن


(١) انظر تفسير الآيات ٦٧، ٧٥ - ٧٩ من سورة براءة.
(٢) أخرجه مسلم في الحج حديث ٣٥٠، ٣٥٢، ٣٥٣. والنسائي في الضحايا باب ١٦، وأحمد في المسند ١/ ٢٧٥.
(٣) أخرجه الترمذي في الأضاحي باب ١، وابن ماجة في الأضاحي باب ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>