للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنه فإنه لا يحكم عليه بالضلال، فإن الطاعة والمعصية إنما يكونان من المأمور والمنهي، وأما من لم يؤمر ولم ينه فغير كائن مطيعا أو عاصيا فيما لم يؤمر به ولم ينه عنه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ قال ابن جرير، هذا تحريض من الله تعالى لعباده المؤمنين في قتال المشركين وملوك الكفر، وأن يثقوا بنصر الله مالك السموات والأرض ولا يرهبوا من أعدائه، فإنه لا ولي لهم من دون الله ولا نصير لهم سواه، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن أبي دلامة البغدادي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، حدثنا سعيد عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: بينا رسول الله بين أصحابه إذ قال لهم: «هل تسمعون ما أسمع؟» قالوا ما نسمع من شيء، فقال رسول الله : «إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها من موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم» وقال كعب الأحبار: ما من موضع خرم إبرة من الأرض إلا وملك موكل بها يرفع علم ذلك إلى الله، وإن ملائكة السماء لأكثر من عدد التراب، وإن حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى مخه مسيرة مائة عام.

[[سورة التوبة (٩): آية ١١٧]]

﴿لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اِتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (١١٧)

قال مجاهد وغير واحد: نزلت هذه الآية في غزوة تبوك، وذلك أنهم خرجوا إليها في شدة من الأمر في سنة مجدبة وحر شديد وعسر من الزاد والماء، قال قتادة: خرجوا إلى الشام عام تبوك في لهبان الحر على ما يعلم الله من الجهد، أصابهم فيها جهد شديد حتى لقد ذكر لنا أن الرجلين كانا يشقان التمرة بينهما، وكان النفر يتداولون التمرة بينهم يمصها هذا ثم يشرب عليها ثم يمصها هذا ثم يشرب عليها، فتاب الله عليهم وأقفلهم من غزوتهم.

وقال ابن جرير (١): حدثني يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عتبة بن أبي عتبة عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس، أنه قيل لعمر بن الخطاب في شأن العسرة، فقال عمر بن الخطاب: خرجنا مع رسول الله إلى تبوك في قيظ شديد، فنزلنا منزلا فأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، وحتى إن كان الرجل ليذهب يلتمس الماء فلا يرجع حتى يظن أن رقبته ستنقطع، وحتى إن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرثه فيشربه ويجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله ﷿ قد عودك في الدعاء خيرا فادع لنا، فقال «تحب ذلك؟» قال نعم، فرفع يديه فلم يرجعهما حتى سالت السماء فأهطلت ثم سكنت، فملؤوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.


(١) تفسير الطبري ٦/ ٥٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>