للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ابن جرير (١): حدثني سعيد بن عمر السكوني حدثنا بقية بن الوليد كتب إلي عباد بن كثير حدثنا ليث عن طاوس عن أبي هريرة قال: قال رسول الله في هذه الآية ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ وليسوا منك هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة. لكن هذا إسناد لا يصح فإن عباد بن كثير متروك الحديث ولم يختلق هذا الحديث ولكنه وهم في رفعه فإنه رواه سفيان الثوري عن ليث وهو ابن أبي سليم عن طاوس عن أبي هريرة في الآية أنه قال: نزلت في هذه الأمة.

وقال أبو غالب عن أبي أمامة في قوله ﴿وَكانُوا شِيَعاً﴾ قال هم الخوارج وروي عنه مرفوعا ولا يصح. وقال شعبة عن مجالد عن الشعبي عن شريح عن عمر أن رسول الله قال لعائشة ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً﴾ -قال-هم أصحاب البدع» وهذا رواه ابن مردويه وهو غريب أيضا ولا يصح رفعه، والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفا له فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق فمن اختلف فيه ﴿وَكانُوا شِيَعاً﴾ أي فرقا كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات فإن الله تعالى قد برأ رسول الله مما هم فيه وهذه الآية كقوله تعالى ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ﴾ [الشورى:١٣] الآية.

وفي الحديث «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد» (٢) فهذا هو الصراط المستقيم وهو ما جاءت به الرسل من عبادة الله وحده لا شريك له والتمسك بشريعة الرسول المتأخر وما خالف ذلك فضلالات وجهالات وآراء وأهواء والرسل برآء منها كما قال الله تعالى ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ وقوله تعالى ﴿إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ﴾ كقوله تعالى ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصّابِئِينَ وَالنَّصارى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ [الحج: ١٧] الآية ثم بين لطفه سبحانه في حكمه وعدله يوم القيامة فقال تعالى.

[[سورة الأنعام (٦): آية ١٦٠]]

﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦٠)

وهذه الآية الكريمة مفصلة لما أجمل في الآية الأخرى وهي قوله ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها﴾ وقد وردت الأحاديث مطابقة لهذه الآية كما قال الإمام أحمد بن حنبل :

حدثنا عفان حدثنا جعفر بن سليمان، حدثنا الجعد أبو عثمان عن أبي رجاء العطاردي عن ابن


(١) تفسير الطبري ٥/ ٤١٤.
(٢) صحيح البخاري (أنبياء باب ٤٨) وصحيح مسلم (فضائل حديث ١٤٣ و ١٤٤) وسنن أبي داود (سنة باب ١٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>