وقال الضحاك: ﴿إِذا تَمَنّى﴾ إذا تلا. قال ابن جرير هذا القول أشبه بتأويل الكلام. وقوله ﴿فَيَنْسَخُ اللهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ﴾ حقيقة النسخ لغة الإزالة والرفع، قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أي فيبطل الله ﷾ ما ألقى الشيطان. وقال الضحاك: نسخ جبريل بأمر الله ما ألقى الشيطان، وأحكم الله آياته.
وقوله: ﴿وَاللهُ عَلِيمٌ﴾ أي بما يكون من الأمور والحوادث لا تخفى عليه خافية ﴿حَكِيمٌ﴾ أي في تقديره وخلقه وأمره، له الحكمة التامة والحجة البالغة، ولهذا قال: ﴿لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أي شك وشرك وكفر ونفاق، كالمشركين حين فرحوا بذلك واعتقدوا أنه صحيح من عند الله، وإنما كان من الشيطان. قال ابن جريج: ﴿لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ هم المنافقون، ﴿وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ هم المشركون.
وقال مقاتل بن حيان: هم اليهود ﴿وَإِنَّ الظّالِمِينَ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ﴾ أي في ضلال ومخالفة وعناد بعيد، أي من الحق والصواب، ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أي وليعلم الذين أوتوا العلم النافع الذي يفرقون به بين الحق والباطل والمؤمنون بالله ورسوله أن ما أوحيناه إليك هو الحق من ربك الذي أنزله بعلمه وحفظه، وحرسه أن يختلط به وغيره بل هو كتاب حكيم ﴿لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾.
وقوله: ﴿فَيُؤْمِنُوا بِهِ﴾ أي يصدقوه وينقادوا له، ﴿فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ﴾ أي تخضع وتذل له قلوبهم، ﴿وَإِنَّ اللهَ لَهادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فيرشدهم إلى الحق واتباعه ويوفقهم لمخالفة الباطل واجتنابه، وفي الآخرة يهديهم الصراط المستقيم الموصل إلى درجات الجنات، ويزحزحهم عن العذاب الأليم والدركات.
يقول تعالى مخبرا عن الكفار أنهم لا يزالون في مرية، أي في شك من هذا القرآن، قاله ابن جريج واختاره ابن جرير (١). وقال سعيد بن جبير وابن زيد منه، أي مما ألقى الشيطان ﴿حَتّى تَأْتِيَهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً﴾ قال مجاهد: فجأة، وقال قتادة ﴿بَغْتَةً﴾ بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون.