حديث عائشة أم المؤمنين ﵂. وفي الصحيحين ان صفية بنت حيي كانت تزور النبيّ ﷺ وهو معتكف في المسجد، فتحدثت عنده ساعة ثم قامت لترجع إلى منزلها، وكان ذلك ليلا، فقام النبي ﷺ ليمشي معها حتى تبلغ دارها، وكان منزلها في دار أسامة بن زيد في جانب المدينة، فلما كان ببعض الطريق لقيه رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي ﷺ أسرعا، وفي رواية: تواريا، أي حياء من النبي ﷺ لكون أهله معه، فقال لهما ﷺ:«على رسلكما إنها صفية بنت حيي» أي لا تسرعا واعلما أنها صفية بنت حيي أي زوجتي، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال ﷺ«إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا، أو قال: شرا» قال الشافعي ﵀: أراد ﵇ أن يعلم أمته التبري من التهمة في محلها، لئلا يقعا في محذور، وهما كانا أتقى لله من أن يظنا بالنبي ﷺ شيئا، والله أعلم.
ثم المراد بالمباشرة إنما هو الجماع ودواعيه من تقبيل ومعانقة ونحو ذلك، فأما معاطاة الشيء ونحوه فلا بأس به، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة ﵂ أنها قالت: كان رسول الله ﷺ يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان، قالت عائشة: ولقد كان المريض يكون في البيت، فما أسأل عنه، إلا وأنا مارة.
وقوله ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ أي هذا الذي بيناه وفرضناه وحددناه من الصيام وأحكامه وما أبحنا فيه وما حرمنا وذكرنا غاياته ورخصه وعزائمه، حدود الله أي شرعها الله وبينها بنفسه، فلا تقربوها أي لا تجاوزوها وتتعدوها، وكان الضحاك ومقاتل يقولان في قوله ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللهِ﴾ أي المباشرة في الاعتكاف، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يعني هذه الحدود الأربعة، ويقرأ ﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ﴾ -حتى بلغ- ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ قال:
وكان أبي وغيره من مشيختنا يقولون هذا ويتلونه علينا: ﴿كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ لِلنّاسِ﴾ أي كما بين الصيام وأحكامه وشرائعه وتفاصيله كذلك يبين سائر الأحكام على لسان عبده ورسوله محمد ﷺ ﴿لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي يعرفون كيف يهتدون وكيف يطيعون، كما قال تعالى:
قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هذا في الرجل يكون عليه مال وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصم إلى الحكام وهو يعرف أن الحق عليه، وهو يعلم أنه آثم آكل الحرام، وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان