يقول تعالى منبها على أنه الخالق المتصرف في خلقه بما يشاء، كما قال: ﴿قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ [آل عمران: ٢٧] ومعنى إيلاجه الليل في النهار والنهار في الليل إدخاله من هذا في هذا ومن هذا في هذا، فتارة يطول الليل ويقصر النهار كما في الشتاء، وتارة يطول النهار ويقصر الليل كما في الصيف.
وقوله: ﴿وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ أي سميع بأقوال عباده. بصير بهم، لا يخفى عليه منهم خافية في أحوالهم وحركاتهم وسكناتهم، ولما بين أنه المتصرف في الوجود، الحاكم الذي لا معقب لحكمه قال: ﴿ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ﴾ أي الإله الحق الذي لا تنبغي العبادة إلا له، لأنه ذو السلطان العظيم الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء فقير إليه، ذليل لديه ﴿وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ﴾ أي من الأصنام والأنداد والأوثان، وكل ما عبد من دونه تعالى فهو باطل، لأنه لا يملك ضرا ولا نفعا. وقوله: ﴿وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ كما قال ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥] وقال: ﴿الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ﴾ فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلا هو، ولا رب سواه، لأنه العظيم الذي لا أعظم منه، العلي الذي لا أعلى منه، الكبير الذي لا أكبر منه، تعالى وتقدس وتنزه ﷿ عما يقول الظالمون المعتدون علوا كبيرا.
وهذا أيضا من الدلالة على قدرته وعظيم سلطانه، فإنه يرسل الرياح فتثير سحابا فيمطر على الأرض الجرز التي لا نبات فيها، وهي هامدة يابسة سوداء ممحلة، ﴿فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥]. وقوله: ﴿فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً﴾ الفاء هاهنا للتعقيب، وتعقيب كل شيء بحسبه، كما قال تعالى: ﴿ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً﴾ [المؤمنون:١٤] الآية، وقد ثبت في الصحيحين أن بين كل شيئين أربعين يوما (١)، ومع هذا هو معقب
(١) انظر الحديث بلفظه مع تخريجه عند تفسير الآية الخامسة من سورة الحج.