للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُهُ: وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ فِي مُقَابَلَةِ ثِيَابِ أَهْلِ النَّارِ الَّتِي فُصِّلَتْ لَهُمْ، لِبَاسُ هَؤُلَاءِ مِنَ الْحَرِيرِ إِسْتَبْرَقِهِ وَسُنْدُسِهِ، كَمَا قَالَ: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً إِنَّ هَذَا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً [الْإِنْسَانِ: ٢١- ٢٢] وَفِي الصَّحِيحِ «لَا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ» »

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن الزبير: من لَمْ يَلْبَسِ الْحَرِيرَ فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ. وَقَوْلُهُ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ كَقَوْلِهِ تعالى:

وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [إِبْرَاهِيمَ: ٢٣] وَقَوْلِهِ: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرَّعْدِ: ٢٣- ٢٤] وَقَوْلِهِ: لَا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا سَلاماً سَلاماً [الْوَاقِعَةِ: ٢٥- ٢٦] فَهُدُوْا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يسمعون فيه الكلام الطيب، وقوله: وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً [الْفُرْقَانِ: ٧٥] لَا كَمَا يهان أهل النار بالكلام الذي يوبخون به ويقرعون به يقال لهم: ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ.

وَقَوْلُهُ: وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أَيْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَحْمَدُونَ فِيهِ رَبَّهُمْ عَلَى مَا أَحْسَنَ إِلَيْهِمْ وَأَنْعَمَ بِهِ وَأَسْدَاهُ إليهم كما جاء في الحديث الصَّحِيحِ «إِنَّهُمْ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ» «٢» وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ: وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ أَيِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ: الْأَذْكَارُ الْمَشْرُوعَةُ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ أَيِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ فِي الدُّنْيَا وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي ما ذكرناه والله أعلم.

[[سورة الحج (٢٢) : آية ٢٥]]

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٥)

يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْكُفَّارِ فِي صَدِّهِمُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ إِتْيَانِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَضَاءِ مَنَاسِكِهِمْ فِيهِ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُمُ أَوْلِيَاؤُهُ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ [الأنفال: ٣٤] الآية، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ، كما قال في سورة البقرة: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢١٧] وَقَالَ هَاهُنَا: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي ومن صفتهم أنهم مع كفرهم يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، أَيْ وَيَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَنْ أَرَادَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فِي نفس الأمر، وهذا


(١) أخرجه البخاري في اللباس باب ٢٥، ومسلم في اللباس حديث ١١، ١٢.
(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ١٨، ١٩، والدارمي في الرقاق باب ١٠٤، وأحمد في المسند ٣/ ٣٤٩، ٣٥٤، ٣٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>