للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدير وقال ابن جرير (١): إنما وصف الله تعالى نفسه بالقدرة على كل شيء في هذا الموضع لأنه حذر المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط، وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير.

ومعنى قدير: قادر، كما أن معنى عليم: عالم. وذهب ابن جرير ومن تبعه من كثير من المفسرين إلى أن هذين المثلين مضروبان لصنف واحد من المنافقين وتكون «أو»، في قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ﴾ بمعنى الواو كقوله تعالى ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٢٤] أو تكون للتخيير أي اضرب لهم مثلا بهذا وإن شئت بهذا، قاله القرطبي (٢). أو للتساوي مثل:

جالس الحسن أو ابن سيرين، على ما وجهه الزمخشري أن كلا منهما مساو للآخر في إباحة الجلوس إليه ويكون معناه على قوله: سواء ضربت لهم مثلا بهذا أو بهذا فهو مطابق لحالهم (قلت) وهذا يكون باعتبار جنس المنافقين فإنهم أصناف ولهم أحوال وصفات كما ذكرها الله تعالى في سورة براءة-ومنهم-ومنهم-ومنهم (٣) -يذكر أحوالهم وصفاتهم وما يعتمدونه من الأفعال والأقوال، فجعل هذين المثلين لصنفين منهم أشد مطابقة لأحوالهم وصفاتهم، والله أعلم، كما ضرب المثلين في سورة النور لصنفي الكفار الدعاة والمقلدين في قوله تعالى ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ﴾ إلى أن قال ﴿أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ﴾ الآية: فالأول للدعاة الذين هم في جهل مركب، والثاني لذوي الجهل البسيط من الأتباع المقلدين، والله أعلم بالصواب.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٢١ إلى ٢٢]]

﴿يا أَيُّهَا النّاسُ اُعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٢)

شرع في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشا، أي مهدا كالفراش مقررة (٤) موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات، والسماء بناء، وهو السقف، كما قال في الآية الأخرى ﴿وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٢] وأنزل لهم من السماء ماء والمراد به السحاب هاهنا في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج لهم به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد رزقا لهم ولأنعامهم كما قرر هذا في غير موضع من القرآن. ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى:


(١) الطبري ١/ ١٩٥.
(٢) تفسير القرطبي ١/ ٢١٥.
(٣) سورة التوبة (براءة)، الآيات: ٤٩، ٥٨، ٦١، ٧٥، ٧٦، ٩٧.
(٤) مقرّرة: مسوّاة مدحوّة. ومنه قوله تعالى: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>