للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ أي لا تكونوا من المشركين الذين قد فرقوا دينهم أي بدلوه وغيروه، وآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقرأ بعضهم: فارقوا دينهم، أي تركوه وراء ظهورهم، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس وعبدة الأوثان وسائر أهل الأديان الباطلة مما عدا أهل الإسلام، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّما أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ﴾ [الأنعام: ١٥٩] الآية، فأهل الأديان قبلنا اختلفوا فيما بينهم على آراء ومثل باطلة، وكل فرقة منهم تزعم أنهم على شيء، وهذه الأمة أيضا اختلفوا فيما بينهم على نحل كلها ضلالة إلا واحدة وهم أهل السنة والجماعة، المتمسكون بكتاب الله وسنة رسول الله ، وبما كان عليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين في قديم الدهر وحديثه، كما رواه الحاكم في مستدركه أنه سئل رسول الله عن الفرقة الناجية منهم فقال «ما أنا عليه وأصحابي».

[[سورة الروم (٣٠): الآيات ٣٣ إلى ٣٧]]

﴿وَإِذا مَسَّ النّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا أَذاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (٣٣) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٤) أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (٣٥) وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ (٣٦) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣٧)

يقول تعالى مخبرا عن الناس أنهم في حال الاضطرار يدعون الله وحده لا شريك له، وأنه إذا أسبغ عليهم النعم إذا فريق منهم في حالة الاختيار يشركون بالله ويعبدون معه غيره. وقوله تعالى: ﴿لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ﴾ هي لام العاقبة عند بعضهم، ولام التعليل عند آخرين، ولكنها تعليل لتقييض الله لهم ذلك، ثم توعدهم بقوله ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ قال بعضهم والله لو توعدني حارس درب لخفت منه، فكيف والمتوعد هاهنا هو الذي يقول للشيء كن فيكون؟ ثم قال منكرا على المشركين فيما اختلقوا فيه من عبادة غيره بلا دليل ولا حجة ولا برهان ﴿أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً﴾ أي حجة ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ أي ينطق ﴿بِما كانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ وهذا استفهام إنكار، أي لم يكن لهم شيء من ذلك.

ثم قال تعالى: ﴿وَإِذا أَذَقْنَا النّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ هذا إنكار على الإنسان من حيث هو إلا من عصمه الله ووفقه، فإن الإنسان إذا أصابته نعمة بطر. وقال ﴿ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ﴾ [هود: ١٠] أي يفرح في نفسه ويفخر على غيره، وإذا أصابته شدة قنط وأيس أن يحصل له بعد ذلك خير بالكلية. قال الله تعالى:

﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ أي صبروا في الضراء وعملوا الصالحات في الرخاء.

كما ثبت في الصحيح «عجبا للمؤمن لا يقضي الله له قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء شكر

<<  <  ج: ص:  >  >>