للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أحكامه الكونية والشرعية وهو المحمود على كل حال.

[[سورة النساء (٤): الآيات ١٠٥ إلى ١٠٩]]

﴿إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاِسْتَغْفِرِ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩)

يقول تعالى: مخاطبا لرسوله محمد ﴿إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ﴾ أي هو حق من الله، وهو يتضمن الحق في خبره وطلبه، وقوله: ﴿لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللهُ﴾ احتج به من ذهب من علماء الأصول إلى أنه كان له أن يحكم بالاجتهاد بهذه الآية، وبما ثبت في الصحيحين من رواية هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أم سلمة، عن أم سلمة أن رسول الله ، سمع جلبة خصم بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: «ألا إنما أنا بشر وإنما أقضي بنحو مما أسمع، ولعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو ليذرها» (١).

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا وكيع، حدثنا أسامة بن زيد عن عبد الله بن رافع، عن أم سلمة، قالت: جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله في مواريث بينهما قد درست، ليس عندهما بينة، فقال رسول الله : «إنكم تختصمون إليّ وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها إسطاما (٣) في عنقه يوم القيامة» فبكى الرجلان، وقال كل منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله «أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق بينكما ثم استهما (٤)، ثم ليحلل كل منكما صاحبه» وقد رواه أبو داود من حديث أسامة بن زيد به، وزاد «إني إنما أقضي بينكما برأي فيما لم ينزل علي فيه» (٥).

وقد روى ابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس: أن نفرا من الأنصار غزوا مع


(١) صحيح البخاري (شهادات باب ٢٧ وحيل باب ١٠ وأحكام باب ٢٠) وصحيح مسلم (أقضية حديث ٤) وسنن أبي داود (أقضية باب ٧) وسنن ابن ماجة (أحكام باب ٥) وموطأ مالك (أقضية حديث ١)
(٢) مسند أحمد ٦/ ٣٢.
(٣) السطام والإسطام: المسعار، وهو حديدة عريضة الرأس تحرك بها النار. والمراد أنه يقضي له بما يمكن أن يسعر عليه النار يوم الحساب إذا لم تكن حجته صحيحة.
(٤) استهما: اقترعا.
(٥) سنن أبي داود (أقضية باب ٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>