للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتواعدوا إلى الحرة، فبلغ ذلك النبي فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول «أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟» وتلا عليهم هذه الآية، فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السلاح (١). وذكر عكرمة أن ذلك نزل فيهم حين تثاوروا في قضية الإفك، والله أعلم.

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٠٤ إلى ١٠٩]]

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاِخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اِسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ اِبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ (١٠٨) وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (١٠٩)

يقول تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ﴾ منتصبة للقيام بأمر الله في الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ﴿وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، قال الضحاك: هم خاصة الصحابة وخاصة الرواة، يعني المجاهدين والعلماء. وقال أبو جعفر الباقر (٢): قرأ رسول الله ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ ثم قال «الخير اتباع القرآن وسنتي» رواه ابن مردويه.

والمقصود من هذه الآية، أن تكون فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن، وإن كان ذلك واجبا على كل فرد من الأمة بحسبه، كما ثبت في صحيح مسلم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (٣) وفي رواية: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل».

وقال الإمام أحمد (٤): حدثنا سليمان الهاشمي، أنبأنا إسماعيل بن جعفر، أخبرني عمرو بن أبي عمرو، عن عبد الله بن عبد الرحمن الأشهلي، عن حذيفة بن اليمان، أن النبي قال: «والذي نفسي بيده، لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده، ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم» ورواه الترمذي وابن ماجة من حديث عمرو بن أبي عمرو به، وقال الترمذي: حسن، والأحاديث في هذا الباب كثيرة، مع الآيات الكريمة، كما سيأتي تفسيهرا في أماكنها.


(١) انظر سيرة ابن هشام ١/ ٥٥٥ وما بعدها.
(٢) هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. توفي سنة ١١٤ هـ. قيل له الباقر لأنه وعى علما كثيرا، فكأنه بقر العلم بقرا.
(٣) صحيح مسلم (إيمان حديث ٧٨) وسنن الترمذي (فتن باب ١١) وسنن النسائي (إيمان باب ١٧)
(٤) مسند أحمد ٥/ ٣٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>