النفي تعزير ليس من تمام الحد، وإنما هو رأي الإمام إن شاء فعله وإن شاء تركه في حق الرجال والنساء، وعند مالك أن النفي إنما هو على الرجال وأما النساء فلا، لأن ذلك مضاد لصيانتهن وما ورد شيء من النفي في الرجال ولا النساء. نعم حديث عبادة وحديث أبي هريرة أن رسول الله ﷺ، قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وبإقامة الحد عليه، رواه البخاري وذلك مخصوص بالمعنى وهو أن المقصود من النفي الصون، وذلك مفقود في نفي النساء، والله أعلم.
والثاني أن الأمة إذا زنت تجلد خمسين بعد الإحصان وتضرب تأديبا غير محدود بعدد محصور، وقد تقدم ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير أنها لا تضرب قبل الإحصان، وإن أراد نفيه فيكون مذهبا بالتأويل وإلا فهو كالقول الثاني.
القول الآخر أنها تجلد قبل الإحصان مائة، وبعده خمسين، كما هو المشهور عن داود وأضعف الأقوال: أنها تجلد قبل الإحصان خمسين، وترجم بعده، وهو قول أبي ثور وهو ضعيف أيضا، والله ﷾ أعلم بالصواب.
وقوله تعالى: ﴿ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾ أي إنما يباح نكاح الإماء بالشروط المتقدمة لمن خاف على نفسه الوقوع في الزنا، وشق عليه الصبر عن الجماع، وعنت بسبب ذلك كله، فله حينئذ أن يتزوج بالأمة، وإن ترك تزوجها وجاهد نفسه في الكف عن الزنا فهو خير له لأنه إذا تزوجها جاء أولاده أرقاء لسيدها إلا أن يكون الزوج عربيّا، فلا تكون أولاده منها أرقاء في قول قديم للشافعي، ولهذا قال ﴿وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾.
ومن هذه الآية الكريمة، استدل جمهور العلماء في جواز نكاح الإماء على أنه لا بد من عدم الطول لنكاح الحرائر ومن خوف العنت لما في نكاحهن من مفسدة رق الأولاد، ولما فيهن من الدناءة في العدول عن الحرائر إليهن، وخالف الجمهور أبو حنيفة وأصحابه في اشتراط الأمرين، فقالوا: متى لم يكن الرجل مزوجا بحرة، جاز له نكاح الأمة المؤمنة والكتابية أيضا سواء كان واجدا لطول حرة أم لا، وسواء خاف العنت أم لا، وعمدتهم فيما ذهبوا إليه قوله تعالى: ﴿وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ [المائدة: ٥] أي العفائف وهو يعم الحرائر والإماء، وهذه الآية عامة وهذه أيضا ظاهرة في الدلالة على ما قاله الجمهور، والله أعلم.