للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله ﴿وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ﴾، أي لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال، ولا يكتفي بما شرع له من الكسب المباح، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل، بأنواع المكاسب الخبيثة، فهو جحود لما عليه من النعمة، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل- ثم قال تعالى مادحا للمؤمنين بربهم، المطيعين أمره المؤدين شكره، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، مخبرا عما أعد لهم من الكرامة، وأنهم يوم القيامة من التبعات آمنون فقال:

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.

[[سورة البقرة (٢): الآيات ٢٧٨ إلى ٢٨١]]

﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٧٨) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (٢٧٩) وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاِتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٨١)

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه، ناهيا لهم عما يقربهم إلى سخطه ويبعدهم عن رضاه، فقال ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ﴾ أي خافوه وراقبوه فيما تفعلون ﴿وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا﴾ أي اتركوا ما لكم على الناس من الزيادة على رؤوس الأموال، بعد هذا الإنذار ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي بما شرع الله لكم من تحليل البيع وتحريم الربا وغير ذلك، وقد ذكر زيد بن أسلم، وابن جريج ومقاتل بن حيان والسدي، أن هذا السياق نزل في بني عمرو بن عمير من ثقيف، وبني المغيرة من بني مخزوم، كان بينهم ربا في الجاهلية، فلما جاء الإسلام ودخلوا فيه، طلبت ثقيف أن تأخذه منهم، فتشاورا وقالت بنو المغيرة لا نؤدي الربا في الإسلام، فكتب في ذلك عتاب بن أسيد، نائب مكة إلى رسول الله فنزلت هذه الآية، فكتب بها رسول الله إليه ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ فقالوا نتوب إلى الله، ونذر ما بقي من الربا فتركوه كلهم، وهذا تهديد ووعيد أكيد، لمن استمر على تعاطي الربا بعد الإنذار قال ابن جريج: قال ابن عباس: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ﴾، أي استيقنوا بحرب من الله ورسوله، وتقدم من رواية ربيعة بن كلثوم، عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب، ثم قرأ ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ﴾ فمن كان مقيما على الربا لا ينزع عنه، كان حقا على إمام المسلمين أن يستتيبه، فإن نزع وإلا ضرب عنقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>