للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة الحجر (١٥): الآيات ٩٤ إلى ٩٩]]

﴿فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٩٦) وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ (٩٧) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السّاجِدِينَ (٩٨) وَاُعْبُدْ رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (٩٩)

يقول تعالى آمرا رسوله بإبلاغ ما بعثه به وبإنفاذه والصدع به، وهو مواجهة المشركين به، كما قال ابن عباس في قوله: ﴿فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ﴾ أي أمضه، وفي رواية «افعل ما تؤمر» (١) وقال مجاهد: هو الجهر بالقرآن في الصلاة. وقال أبو عبيدة عن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي مستخفيا حتى نزلت ﴿فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ﴾، فخرج هو وأصحابه.

وقوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ أي بلغ ما أنزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ [القلم: ٩] ولا تخفهم فإن الله كافيك إياهم وحافظك منهم، كقوله تعالى: ﴿يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا إسحاق بن إدريس، حدثنا عون بن كهمس عن يزيد بن درهم، عن أنس قال: سمعت أنسا يقول في هذه الآية، ﴿إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾ قال: مر رسول الله فغمزه بعضهم فجاء جبريل، أحسبه قال: فغمزهم، فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا.

قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة، كان رسول الله فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: «اللهم أعم بصره، وأثكله ولده» ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد، ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن-عمرو بن ملكان-. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله الاستهزاء أنزل الله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ﴾ إلى قوله ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾.

وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء، أن جبريل أتى رسول الله وهو يطوف بالبيت، فقام وقام رسول الله إلى جنبه، فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه، ومر به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله، وكان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجز إزاره، وذلك أنه مر برجل من خزاعة يريش نبلا له (٢)، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش،


(١) انظر تفسير الطبري ٧/ ٥٤٨، ٥٤٩.
(٢) يريش نبلا له: أي ينحت نبالا ويجعل لها ريشا.

<<  <  ج: ص:  >  >>