للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموازين يوم القيامة، فيؤتى بالرجل فيوضع في كفة، ويوضع ما أحصي عليه فيمايل به الميزان، قال: فيبعث به إلى النار، قال: فإذا أدبر به إذا صائح من عند الرحمن ﷿ يقول:

لا تعجلوا، فإنه قد بقي له، فيؤتى ببطاقة فيها لا إله إلا الله فتوضع مع الرجل في كفة حتى يميل به الميزان».

وقال الإمام أحمد (١) أيضا: حدثنا أبو نوح مرارا، أنبأنا ليث بن سعد عن مالك بن أنس عن الزهري عن عروة عن عائشة أن رجلا من أصحاب رسول الله جلس بين يديه، فقال يا رسول الله إن لي مملوكين يكذبونني ويخونونني ويعصونني، وأضربهم وأشتمهم، فكيف أنا منهم؟ فقال له رسول الله : «يحسب ما خانوك وعصوك وكذبوك وعقابك إياهم، فإن كان عقابك إياهم بقدر ذنوبهم، كان كفافا لا لك ولا عليك، وإن كان عقابك إياهم دون ذنوبهم، كان فضلا لك، وإن كان عقابك إياهم فوق ذنوبهم، اقتص لهم منك الفضل الذي بقي قبلك، فجعل الرجل يبكي بين يدي رسول الله ويهتف، فقال رسول الله «ما له لا يقرأ كتاب الله ﴿وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾ فقال الرجل: يا رسول الله ما أجد شيئا خير من فراق هؤلاء-يعني عبيده- إني أشهدك أنهم أحرار كلهم (٢).

[[سورة الأنبياء (٢١): الآيات ٤٨ إلى ٥٠]]

﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨) الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ (٤٩) وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠)

قد تقدم التنبيه على أن الله تعالى كثيرا ما يقرن بين ذكر موسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهما، وبين كتابيهما، ولهذا قال: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ﴾ قال مجاهد: يعني الكتاب. وقال أبو صالح: التوراة. وقال قتادة: التوراة حلالها وحرامها، وما فرق الله بين الحق والباطل. وقال ابن زيد يعني النصر (٣):

وجامع القول في ذلك أن الكتب السماوية مشتملة على التفرقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغي والرشاد، والحلال والحرام، وعلى ما يحصل نورا في القلوب وهداية وخوفا وإنابة وخشية، ولهذا قال: ﴿الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ﴾ أي تذكيرا لهم وعظة، ثم وصفهم فقال: ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ﴾ كقوله: ﴿مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ﴾ [ق: ٥٠]. وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الملك: ١٢] ﴿وَهُمْ مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ أي خائفون وجلون، ثم قال تعالى: ﴿وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ﴾ يعني


(١) المسند ٦/ ٢٨٠، ٢٨١.
(٢) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٢١، باب ٢.
(٣) انظر هذه الآثار في تفسير الطبري ٩/ ٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>