يقول تعالى مخبرا عن تعنت قريش في كفرهم وتعمدهم العناد والجدل: ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ قال غير واحد عن ابن عباس ﵄ ومجاهد وعكرمة والسدي والضحاك: يضحكون أي أعجبوا بذلك، وقال قتادة: يجزعون ويضحكون.
وقال إبراهيم النخعي: يعرضون، وكان السبب في ذلك ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة حيث قال: وجلس رسول الله ﷺ يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش، فتكلم رسول الله ﷺ، فعرض له النضر بن الحارث فكلمه رسول الله ﷺ حتى أفحمه، ثم تلا عليه ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] الآيات.
ثم قام رسول الله ﷺ وأقبل عبد الله بن الزبعرى التميمي حتى جلس، فقال الوليد بن المغيرة له: والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبد المطلب وما قعد، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم، فقال عبد الله بن الزبعرى: أما والله لو وجدته لخصمته، سلوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبده، فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا، والنصارى تعبد المسيح عيسى ابن مريم فعجب الوليد ومن كان معه في المجلس من قول عبد الله بن الزبعرى، ورأوا أنه قد احتج وخاصم، فذكر ذلك لرسول الله ﷺ فقال:«كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده، فإنهم إنما يعبدون الشيطان ومن أمرهم بعبادته» فأنزل الله ﷿: ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠١] أي عيسى وعزير ومن عبد معهما من الأحبار والرهبان، الذين مضوا على طاعة الله ﷿، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله، ونزل فيما يذكر من أنهم يعبدون الملائكة وأنهم بنات الله ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: ٢٦] الآيات.
ونزل فيما يذكر من أمر عيسى ﵊، وأنه يعبد من دون الله، وعجب الوليد ومن حضر من حجته وخصومته ﴿وَلَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ﴾ أي يصدون عن أمرك بذلك من قوله. ثم ذكر عيسى ﵊ فقال: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ