وقوله: ﴿مَهِينٌ﴾ كذب. بل هو المهين الحقير خلقة وخلقا ودينا، وموسى هو الشريف الصادق البار الراشد. وقوله: ﴿وَلا يَكادُ يُبِينُ﴾ افتراء أيضا فإنه وإن كان قد أصاب لسانه في حال صغره شيء من جهة تلك الجمرة، فقد سأل الله ﷿ أن يحل عقدة من لسانه ليفقهوا قوله، وقد استجاب الله ﵎ له ذلك في قوله: ﴿قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى﴾ وبتقدير أن يكون قد بقي شيء لم يسأل إزالته، كما قاله الحسن البصري وإنما سأل زوال ما يحصل معه الإبلاغ والإفهام، فالأشياء الخلقية التي ليست من فعل العبد لا يعاب بها ولا يذم عليها، وفرعون وإن كان يفهم وله عقل، فهو يدري هذا، وإنما أراد الترويج على رعيته فإنهم كانوا جهلة أغبياء وهكذا قوله: ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ﴾ وهي ما يجعل في الأيدي من الحلي.
قال ابن عباس ﵄ وقتادة وغير واحد ﴿أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ أي يكتنفونه خدمة له ويشهدون بتصديقه، نظر إلى الشكل الظاهر ولم يفهم السر المعنوي الذي هو أظهر مما نظر إليه لو كان يعلم، ولهذا قال تعالى: ﴿فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ﴾ أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له ﴿إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ﴾ قال الله تعالى: ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ﵄: ﴿آسَفُونا﴾ أسخطونا، وقال الضحاك عنه: أغضبونا، وهكذا قال ابن عباس أيضا ومجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي وقتادة والسدي وغيرهم من المفسرين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا عبيد الله ابن أخي ابن وهب، حدثنا عمي، حدثنا ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم التجيبي عن عقبة بن عامر ﵁ أن رسول الله ﷺ قال:«إذا رأيت الله ﵎ يعطي العبد ما يشاء وهو مقيم على معاصيه، فإنما ذلك استدراج منه له» ثم تلا ﷺ: ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وحدثنا أبي، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، حدثنا قيس بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: كنت عند عبد الله ﵁، فذكر عنده موت الفجأة، فقال: تخفيف على المؤمن وحسرة على الكافر، ثم قرأ ﵁ ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقال عمر بن عبد العزيز ﵁: وجدت النقمة مع الغفلة يعني قوله ﵎: ﴿فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وقوله ﷾: ﴿فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ﴾ قال أبو مجلز: سلفا لمثل من عمل بعملهم. وقال هو ومجاهد: ﴿وَمَثَلاً﴾ أي عبرة لمن بعدهم، والله ﷾ الموفق للصواب، وإليه المراجع والمآب.