للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيْنِي وَبَيْنَهُ كَأَنَّهُ بَرْقٌ فَخِفْتُ أَنْ تَمْحَشَنِي فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْتُ الْقَهْقَرَى فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال: «يا شيبة يا شيبة ادْنُ مِنِّي، اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشَّيْطَانَ» قَالَ: فَرَفَعْتُ إِلَيْهِ بَصَرِي وَلَهُو أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ سمعي وبصري فقال: «يا شيبة قَاتِلِ الْكُفَّارَ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ فَذَكَرَهُ.

ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم حُنَيْنٍ وَاللَّهِ مَا أَخْرَجَنِي إِسْلَامٌ وَلَا مَعْرِفَةٌ به ولكنني أَبَيْتُ أَنْ تَظْهَرَ هَوَازِنُ عَلَى قُرَيْشٍ فَقُلْتُ وَأَنَا وَاقِفٌ مَعَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَى خَيْلًا بُلْقًا فَقَالَ: «يَا شَيْبَةُ إِنَّهُ لا يراها إلا كافر» فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ» ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّانِيَةَ ثُمَّ قَالَ:

«اللَّهُمَّ اهْدِ شَيْبَةَ» ثُمَّ ضَرَبَهَا الثَّالِثَةَ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ شيبة» قال: فو الله مَا رَفَعَ يَدَهُ عَنْ صَدْرِي فِي الثَّالِثَةِ حَتَّى مَا كَانَ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْهُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ فِي الْتِقَاءِ النَّاسِ وَانْهِزَامِ الْمُسْلِمِينَ وَنِدَاءِ الْعَبَّاسِ وَاسْتِنْصَارِ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى هزم الله تعالى المشركين.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي وَالِدِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّا لَمَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ يَقْتَتِلُونَ إِذْ نَظَرْتُ إِلَى مِثْلِ الْبِجَادِ الْأَسْوَدِ يَهْوِي مِنَ السَّمَاءِ حَتَّى وَقَعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَإِذَا نَمْلٌ مَنْثُورٌ قَدْ مَلَأَ الْوَادِيَ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا هَزِيمَةُ الْقَوْمِ فَمَا كُنَّا نَشُكُّ أَنَّهَا الْمَلَائِكَةُ «١» ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:

سَمِعْتُ يَزِيدَ بْنَ عَامِرٍ السُّوَائِيَّ وَكَانَ شَهِدَ حُنَيْنًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدُ فَكُنَّا نَسْأَلُهُ عَنِ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَكَانَ يَأْخُذُ الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطَّسْتِ فَيَطِنُّ فَيَقُولُ كُنَّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا «٢» ، وَقَدْ تَقَدَّمَ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ فَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ «٣» عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُوتِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ» وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ.

وَقَوْلُهُ: ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ تَابَ اللَّهُ على بقية هوازن فأسلموا وَقَدِمُوا عَلَيْهِ مُسْلِمِينَ وَلَحِقُوهُ وَقَدْ قَارَبَ مَكَّةَ عِنْدَ الْجِعْرَانَةَ وَذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْعَةِ بِقَرِيبٍ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا فَعِنْدَ ذَلِكَ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ سَبْيِهِمْ وبين أموالهم فاختاروا سبيهم وكانوا ستة


(١) انظر سيرة ابن هشام ٢/ ٤٤٩.
(٢) انظر تفسير الطبري ٦/ ٣٤٣.
(٣) كتاب المساجد حديث ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>