للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] ﴿وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً﴾ أي ولا تضروا الله شيئا بتوليكم عن الجهاد، ونكولكم وتثاقلكم عنه ﴿وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي قادر على الانتصار من الأعداء بدونكم، وقد قيل إن هذه الآية وقوله: ﴿اِنْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً﴾ [التوبة: ٤١] وقوله:

﴿ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ﴾ [التوبة: ١٢٠] إنهن منسوخات بقوله تعالى: ﴿وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ﴾ [التوبة: ١٢٢] روي هذا عن ابن عباس وعكرمة والحسن، وزيد بن أسلم ورده ابن جرير وقال:

إنما هذا فيمن دعاهم رسول الله إلى الجهاد فتعين عليهم ذلك فلو تركوه لعوقبوا عليه وهذا له اتجاه والله أعلم بالصواب.

[[سورة التوبة (٩): آية ٤٠]]

﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اِثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٠)

يقول تعالى: ﴿إِلاّ تَنْصُرُوهُ﴾ أي تنصروا رسوله فإن الله ناصره ومؤيده وكافيه وحافظه كما تولى نصره ﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ﴾ أي عام الهجرة لما هم المشركون بقتله أو حبسه أو نفيه فخرج منهم هاربا بصحبة صديقه وصاحبه أبي بكر بن أبي قحافة فلجأ إلى غار ثور ثلاثة أيام ليرجع الطلب الذين خرجوا في آثارهم ثم يسيروا نحو المدينة فجعل أبو بكر يجزع أن يطلع عليهم أحد فيخلص إلى رسول الله منهم أذى فجعل النبي يسكنه ويثبته ويقول: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».

كما قال الإمام أحمد (١): حدثنا عفان حدثنا همام أنبأنا ثابت عن أنس أن أبا بكر حدثه قال: قلت للنبي ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه قال:

فقال: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما» (٢) أخرجاه في الصحيحين، ولهذا قال تعالى:

﴿فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ﴾ أي تأييده ونصره عليه أي على الرسول في أشهر القولين وقيل على أبي بكر، وروي عن ابن عباس وغيره قالوا: لأن الرسول لم تزل معه سكينة وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ولهذا قال: ﴿وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها﴾ أي الملائكة ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا﴾ قال ابن عباس يعني بكلمة الذين كفروا الشرك وكلمة الله هي لا إله إلا الله.

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: سئل رسول الله عن


(١) المسند ١/ ٤.
(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٩، باب ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>