للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أيضا: حدثنا أبو كريب، حدثنا ابن هانئ، حدثنا المنهال بن خليفة عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس، أن النبي دفن ميتا فقال: «رحمك الله إن كنت لأواها» يعني تلاء للقرآن، وقال شعبة عن أبي يونس الباهلي، قال سمعت رجلا بمكة وكان أصله روميا وكان قاصا يحدث عن أبي ذر، قال: كان رجل يطوف بالبيت الحرام ويقول في دعائه: أوه أوه فذكر ذلك للنبي ، فقال: «إنه أواه» قال: فخرجت ذات ليلة فإذا رسول الله يدفن ذلك الرجل ليلا ومعه المصباح، هذا حديث غريب رواه ابن جرير (١).

وروي عن كعب الأحبار أنه قال: سمعت ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ﴾ قال كان إذا ذكر النار قال:

أوه من النار، وقال ابن جريج عن ابن عباس ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ﴾ قال: فقيه. قال الإمام أبو جعفر بن جرير (٢): وأولى الأقوال قول من قال إنه الدعاء وهو المناسب للسياق، وذلك أن الله تعالى لما ذكر أن إبراهيم إنما استغفر لأبيه عن موعدة وعدها إياه، وقد كان إبراهيم كثير الدعاء حليما عمن ظلمه وأناله مكروها، ولهذا استغفر لأبيه مع شدة أذاه له في قوله ﴿أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا﴾ [مريم: ٤٦] فحلم عنه مع أذاه له ودعا له واستغفر، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ﴾.

[[سورة التوبة (٩): الآيات ١١٥ إلى ١١٦]]

﴿وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥) إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١١٦)

يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل: إنه لا يضل قوما بعد إبلاغ الرسالة إليهم، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة، كما قال تعالى: ﴿وَأَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ﴾ [فصلت:١٧] الآية، وقال مجاهد في قوله تعالى: ﴿وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ﴾ الآية، قال بيان الله ﷿ للمؤمنين في ترك الاستغفار للمشركين خاصة، وفي بيانه لهم من معصيته وطاعته عامة، فافعلوا أو ذروا (٣).

وقال ابن جرير (٤): يقول الله تعالى وما كان الله ليقضي عليكم في استغفاركم لموتاكم المشركين بالضلال بعد إذ رزقكم الهداية ووفقكم للإيمان به وبرسوله، حتى يتقدم إليكم بالنهي عنه فتتركوا، فأما قبل أن يبين لكم كراهة ذلك بالنهي عنه فلم تضيعوا نهيه إلى ما نهاكم


(١) تفسير الطبري ٦/ ٤٩٨.
(٢) تفسير الطبري ٦/ ٤٩٩.
(٣) انظر تفسير الطبري ٦/ ٥٠٠.
(٤) تفسير الطبري ٦/ ٥٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>