للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة مريم (١٩): الآيات ١٠ إلى ١١]]

﴿قالَ رَبِّ اِجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا (١٠) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)

يقول تعالى مخبرا عن زكريا أنه ﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً﴾ أي علامة ودليلا على وجود ما وعدتني، لتستقر نفسي ويطمئن قلبي بما وعدتني، كما قال إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] الآية ﴿قالَ آيَتُكَ﴾ أي علامتك ﴿أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا﴾ أي أن تحبس لسانك عن الكلام ثلاث ليال، وأنت صحيح سوي من غير مرض ولا علة، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة ووهب والسدي وقتادة وغير واحد: اعتقل لسانه من غير مرض ولا علة. قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: كان يقرأ ويسبح ولا يستطيع أن يكلم قومه إلا إشارة.

وقال العوفي عن ابن عباس ﴿ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا﴾ أي متتابعات، والقول الأول عنه وعن الجمهور أصح، كما قال تعالى في آل عمران ﴿قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ﴾ [آل عمران: ٤١] وقال مالك عن زيد بن أسلم ﴿ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا﴾ من غير خرس، وهذا دليل على أنه لم يكن يكلم الناس في هذه الليالي الثلاث وأيامها ﴿إِلاّ رَمْزاً﴾ أي إشارة، ولهذا قال في هذه الآية الكريمة ﴿فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ﴾ أي الذي بشر فيه بالولد ﴿فَأَوْحى إِلَيْهِمْ﴾ أي أشار إشارة خفية سريعة ﴿أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ أي موافقة له فيما أمر به في هذه الأيام الثلاثة زيادة على أعماله شكرا لله على ما أولاه. قال مجاهد: «فأوحى إليهم» أي أشار وبه قال وهب وقتادة. وقال مجاهد في رواية عنه: ﴿فَأَوْحى إِلَيْهِمْ﴾ أي كتب لهم في الأرض، وكذا قال السدي.

[[سورة مريم (١٩): الآيات ١٢ إلى ١٥]]

﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)

وهذا أيضا تضمن محذوفا تقديره أنه وجد هذا الغلام المبشر به وهو يحيى ، وأن الله علمه الكتاب وهو التوراة التي كانوا يتدارسونها بينهم، ويحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار، وقد كان سنه إذ ذاك صغيرا فلهذا نوه بذكره وبما أنعم به عليه وعلى والديه فقال: ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ﴾ أي تعلم الكتاب بقوة أي بجد وحرص واجتهاد ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ أي الفهم والعلم والجد والعزم والإقبال على الخير والإكباب عليه والاجتهاد فيه وهو صغير حدث، قال عبد الله بن المبارك: قال معمر: قال الصبيان ليحيى بن زكريا: اذهب بنا نلعب، فقال: ما للعب خلقت، فلهذا أنزل الله ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ (١)


(١) انظر تفسير الطبري ٨/ ٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>