للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديث آخر عن عثمان بن أبي العاص الثقفي في ذلك، قال الإمام أحمد (١): حدثنا أسود بن عامر، حدثنا هريم عن ليث عن شهر بن حوشب، عن عثمان بن أبي العاص قال:

كنت عند رسول الله جالسا إذ شخص بصره فقال: «أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية بهذا الموضع من هذه السورة ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ﴾ الآية، وهذا إسناد لا بأس به، ولعله عند شهر بن حوشب من الوجهين، والله أعلم.

[[سورة النحل (١٦): الآيات ٩١ إلى ٩٢]]

﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١) وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢)

هذا مما يأمر الله تعالى به، وهو الوفاء بالعهود والمواثيق والمحافظة على الأيمان المؤكدة، ولهذا قال: ﴿وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها﴾ ولا تعارض بين هذا وبين قوله:

﴿وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٤] الآية، وبين قوله تعالى: ﴿ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] أي لا تتركوها بلا كفارة، وبين قوله فيما ثبت عنه في الصحيحين أنه قال «إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها-وفي رواية-وكفرت عن يميني» (٢) لا تعارض بين هذا كله ولا بين الآية المذكورة هاهنا، وهي قوله: ﴿وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها﴾ لأن هذه الأيمان المراد بها الداخلة في العهود والمواثيق لا الأيمان التي هي واردة على حث أو منع، ولهذا قال مجاهد في قوله ﴿وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها﴾ يعني الحلف، أي حلف الجاهلية.

ويؤيد ما رواه الإمام أحمد (٣): حدثنا عبد الله بن محمد-هو ابن أبي شيبة-حدثنا ابن نمير وأبو أسامة عن زكريا. هو ابن أبي زائدة-عن سعيد بن إبراهيم عن أبيه، عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله : «لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة» (٤) وكذا رواه مسلم عن ابن أبي شيبة به. ومعناه أن الإسلام لا يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه، فإن في التمسك بالإسلام كفاية عما كانوا فيه.


(١) المسند ٤/ ٢١٨.
(٢) أخرجه البخاري في الأيمان باب ١، ٤، ومسلم في الأيمان حديث ٩.
(٣) المسند ٤/ ٨٣.
(٤) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٠٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>