سمرة قال: قال رسول الله ﷺ: «لا أعافي رجلا قتل بعد أخذ الدية» يعني لا أقبل منه الدية، بل أقتله.
وقوله ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ﴾ يقول تعالى: وفي شرع القصاص لكم، وهو قتل القاتل حكمة عظيمة وهي بقاء المهج وصونها، لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل انكف عن صنيعه، فكان في ذلك حياة للنفوس، وفي الكتب المتقدمة: القتل أنفى للقتل فجاءت هذه العبارة في القرآن افصح وأبلغ وأوجز ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ﴾ قال أبو العالية: جعل الله القصاص حياة، فكم من رجل يريد أن يقتل فتمنعه مخافة أن يقتل. وكذا روي عن مجاهد وسعيد بن جبير وأبي مالك والحسن وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان.
﴿يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ يقول: يا أولي العقول والأفهام والنهى، لعلكم تنزجرون وتتركون محارم الله ومآثمه، والتقوى اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات.
اشتملت هذه الآية الكريمة على الأمر بالوصية للوالدين والأقربين، وقد كان ذلك واجبا على أصح القولين قبل نزول آية المواريث، فلما نزلت آية الفرائض نسخت هذه، وصارت المواريث المقدرة فريضة من الله يأخذها أهلوها حتما من غير وصية ولا تحمل منة الموصى، ولهذا جاء في الحديث الذي في السنن وغيرها عن عمرو بن خارجة قال: سمعت رسول الله ﷺ يخطب وهو يقول «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث»(١).
وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين، قال: جلس ابن عباس فقرأ سورة البقرة حتى أتى هذه الآية ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ فقال: نسخت هذه الآية وكذا رواه سعيد بن منصور، عن هشيم، عن يونس به، ورواه الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح على شرطهما، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ قال: كان لا يرث مع الوالدين غيرهما إلا وصية للأقربين، فأنزل الله آية الميراث، فبين ميراث الوالدين وأقر وصية الأقربين في ثلث مال الميت.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا حجاج بن محمد، أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء، عن ابن عباس، في قوله ﴿الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾:
(١) أخرجه البخاري (وصايا باب ٦) وأبو داود (وصايا باب ٦) والترمذي (وصايا باب ٥) والنسائي (وصايا باب ٥) وابن ماجة (وصايا باب ٦) والدارمي (وصايا باب ٢٨) وأحمد في المسند (ج ٤ ص ١٨٦)