للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نسختها هذه الآية ﴿لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً﴾ [النساء: ٧] ثم قال ابن أبي حاتم، وروي عن ابن عمر وأبي موسى وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وعكرمة وزيد بن أسلم والربيع بن أنس وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان وطاوس وإبراهيم النخعي وشريح والضحاك والزهري: أن هذا الآية منسوخة، نسختها آية الميراث.

والعجب من أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي ، كيف حكى في تفسيره الكبير عن أبي مسلم الأصفهاني أن هذه الآية غير منسوخة وإنما هي مفسرة بآية المواريث، ومعناه كتب عليكم ما أوصى الله به من توريث الوالدين والأقربين من قوله ﴿يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ﴾ [النساء: ١١] قال: وهو قول أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء: قال: ومنهم من قال: إنها منسوخة فيمن يرث ثابتة فيمن لا يرث، وهو مذهب ابن عباس والحسن ومسروق وطاوس والضحاك ومسلم بن يسار والعلاء بن زياد (١).

(قلت) وبه قال أيضا سعيد بن جبير والربيع بن أنس وقتادة ومقاتل بن حيان، ولكن على قول هؤلاء لا يسمى هذا نسخا في اصطلاحنا المتأخر، لأن آية المواريث إنما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم أية الوصاية، لأن الأقربين أعم ممن يرث ولا يرث، فرفع حكم من يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى، وهذا إنما يتأتى على قول بعضهم: إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنما كانت ندبا حتى نسخت، فأما من يقول: إنها كانت واجبة وهو الظاهر من سياق الآية، فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء، فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بالإجماع، بل منهي عنه للحديث المتقدم «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث» فآية الميراث حكم مستقل ووجوب من عند الله لأهل الفروض والعصبات، رفع بها حكم هذه بالكلية، بقي الأقارب الذين لا ميراث لهم يستحب له أن يوصي لهم من الثلث استئناسا بآية الوصية وشمولها، ولما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر، قال: قال رسول الله «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده» (٢) قال ابن عمر: ما مرت عليّ ليلة منذ سمعت رسول الله يقول ذلك إلا وعندي وصيتي. والآيات والأحاديث بالأمر ببرّ الأقارب والإحسان إليهم كثيرة جدا.

وقال عبد بن حميد في مسنده: أخبرنا عبد الله عن مبارك بن حسان، عن نافع قال: قال عبد الله: قال رسول الله : يقول الله تعالى: يا ابن آدم ثنتان لم يكن لك واحدة منهما: جعلت لك نصيبا في مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك به وأزكيك، وصلاة عبادي عليك بعد انقضاء


(١) تفسير الرازي ٥/ ٥٣ - ٥٤.
(٢) أخرجه البخاري (وصايا باب ١) ومسلم (وصية حديث ١ و ٤)

<<  <  ج: ص:  >  >>