عبادتهم، كما قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ قالُوا سُبْحانَكَ﴾ [سبأ: ٤٠ - ٤١] الآية، وقرأ آخرون ﴿ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ﴾ أي ما ينبغي لأحد أن يعبدنا فإنا عبيد لك فقراء إليك، وهي قريبة المعنى من الأولى.
﴿وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ﴾ أي طال عليهم العمر حتى نسوا الذكر، أي نسوا ما أنزلته إليهم على ألسنة رسلك من الدعوة إلى عبادتك وحدك لا شريك لك ﴿وَكانُوا قَوْماً بُوراً﴾ قال ابن عباس: أي هلكى، وقال الحسن البصري ومالك عن الزهري: أي لا خير فيهم. وقال ابن الزبعرى حين أسلم [الخفيف]:
يا رسول المليك إن لساني … راتق ما فتقت إذ أنا بور (١)
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي … ومن مال ميله مثبور
وقال الله تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ﴾ أي فقد كذبكم الذين عبدتم من دون الله فيما زعمتم أنهم لكم أولياء وأنهم يقربونكم إلى الله زلفى، كقوله تعالى ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ﴾ [الأحقاف: ٥ - ٦] وقوله ﴿فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً﴾ أي لا يقدرون على صرف العذاب عنهم ولا الانتصار لأنفسهم ﴿وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ﴾ أي يشرك بالله ﴿نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً﴾.
[[سورة الفرقان (٢٥): آية ٢٠]]
﴿وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)﴾
يقول تعالى مخبرا عن جميع من بعثه من الرسل المتقدمين: أنهم كانوا يأكلون الطعام ويحتاجون إلى التغذي به، ويمشون في الأسواق للتكسب والتجارة، وليس ذلك بمناف لحالهم ومنصبهم، فإن الله تعالى جعل لهم من السمات الحسنة والصفات الجميلة والأقوال الفاضلة والأعمال الكاملة والخوارق الباهرة والأدلة الظاهرة، ما يستدل به كل ذي لب سليم وبصيرة مستقيمة على صدق ما جاءوا به من الله، ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى:
﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى﴾ [يوسف: ١٠٩] وقوله ﴿وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾ [الأنبياء: ٨] الآية. وقوله تعالى:
(١) البيتان لعبد الله بن الزبعرى السهمي في ديوانه ص ٣٦، والبيت الأول في لسان العرب (بور)، وجمهرة اللغة ص ١٠٢٠، والمخصص ٣/ ٤٨، ٧/ ٣٠، ٣١١، ١٤/ ٣٣، وتاج العروس (ملك)، ومقاييس اللغة ١/ ٣١٦، وسمط اللآلي ص ٣٨٨، والبيت لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ٩٥، ولعبد الله بن رواحة أو لعبد الله بن الزبعرى في تاج العروس (بور)، وبلا نسبة في جمهرة اللغة ص ٣٣٠، وتهذيب اللغة ١٥/ ٢٦٧