يقول تعالى آمرا لرسوله عليه الصلاة السلام ﴿فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ﴾ أي ردك الله من غزوتك هذه ﴿إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ﴾ قال قتادة: ذكر لنا أنهم كانوا اثني عشر رجلا ﴿فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ﴾ أي معك إلى غزوة أخرى ﴿فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا﴾ أي تعزيرا لهم وعقوبة، ثم علل ذلك بقوله: ﴿إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ وهذا كقوله تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ [الأنعام: ١١٠] الآية، فإن جزاء السيئة السيئة بعدها كما أن ثواب الحسنة الحسنة بعدها، كقوله في عمرة الحديبية ﴿سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها﴾ [الفتح: ١٥] الآية. وقوله تعالى: ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ﴾ قال ابن عباس: أي الرجال الذين تخلفوا عن الغزاة، وقال قتادة ﴿فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ﴾ أي مع النساء قال ابن جرير وهذا لا يستقيم لأن جمع النساء لا يكون بالياء والنون ولو أريد النساء لقال فاقعدوا مع الخوالف أو الخالفات، ورجح قول ابن عباس ﵄.
أمر الله تعالى رسوله ﷺ أن يبرأ من المنافقين وأن لا يصلي على أحد منهم إذا مات، وأن لا يقوم على قبره ليستغفر له أو يدعو له لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا عليه وهذا حكم عام في كل من عرف نفاقه، وإن كان سبب نزول الآية في عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين كما قال البخاري: حدثنا عبيد بن إسماعيل عن أبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: لما توفي عبد الله بن أبي «جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله ﷺ فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله ﷺ ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله تصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟ فقال رسول الله ﷺ: «إنما خيرني الله فقال ﴿اِسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ﴾ [التوبة: ٨٠] وسأزيده على السبعين» قال: إنه منافق. قال فصلى عليه رسول الله ﷺ فأنزل الله ﷿ آية ﴿وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ﴾ (١)، وكذا رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة حماد بن أسامة به، ثم رواه
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٩، باب ١٢، ومسلم في المنافقين حديث ٤، وفضائل الصحابة حديث ٢٥، وأحمد في المسند ٢/ ١٨.