وقوله ﴿إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ﴾ [إبراهيم: ٤٢] وقال تعالى: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً﴾ [الإنسان: ٨ - ١٢]. وقوله تعالى هاهنا: ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا﴾ أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم. وقوله ﴿وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] الآية، وقال تعالى: ﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها﴾ [الأنعام: ١٦٠] الآية، وقال ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [البقرة: ٢٤٥] الآية، وقال ﴿وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ﴾ [البقرة:٢٦١] وقال هاهنا ﴿وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ﴾. وعن ابن مسعود أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحدا واحدا، فكلهم لم يشربه لأنه كان صائما، فتناوله ابن مسعود فشربه لأنه كان مفطرا، ثم تلا قوله ﴿يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ﴾ رواه النسائي وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه.
وقال أيضا: حدثنا أبي، حدثنا سويد بن سعيد، حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: قال رسول الله ﷺ«إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق: سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون وهم قليل، ثم يحاسب سائر الخلائق» وروى الطبراني من حديث بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن أبي وائل، عن ابن مسعود عن النبي ﷺ في قوله ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قال: أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف في الدنيا.
هذان مثلان ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار كما ضرب للمنافقين في أول البقرة مثلين:
ناريا ومائيا، وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى والعلم في سورة الرعد مثلين: مائيا وناريا (١)، وقد تكلمنا على كل منهما في موضعه بما أغنى عن إعادته، ولله الحمد والمنة. فأما الأول من هذين المثلين، فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم الذين يحسبون أنهم على شيء من