للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد ذكر بعض علمائهم المشاهير عندهم وهو سعيد بن بطريق بترك (١) الإسكندرية في حدود سنة أربعمائة من الهجرة النبوية، أنهم اجتمعوا المجمع الكبير الذي عقدوا فيه الأمامة الكبيرة التي لهم، وإنما هي الخيانة الحقيرة الصغيرة، وذلك في أيام قسطنطين باني المدينة المشهورة، وأنهم اختلفوا عليه اختلافا لا ينضبط ولا ينحصر، فكانوا أزيد من ألفين أسقفا، فكانوا أحزابا كثيرة، كل خمسين منهم على مقالة، وعشرون على مقالة، ومائة على مقالة، وسبعون على مقالة، وأزيد من ذلك وأنقص. فلما رأى منهم عصابة قد زادوا على الثلثمائة بثمانية عشر نفر، وقد توافقوا على مقالة، فأخذها الملك ونصرها وأيدها، وكان فيلسوفا داهية، ومحق ما عداها من الأقوال، وانتظم دست أولئك الثلثمائة والثمانية عشر، وبنيت لهم الكنائس، ووضعوا لهم كتبا وقوانين، وأحدثوا فهيا الأمانة التي يلقنونها الولدان من الصغار ليعتقدوها ويعمدونهم عليها وأتباع هؤلاء هم الملكانية. ثم إنهم اجتمعوا مجمعا ثانيا، فحدث فيهم اليعقوبية، ثم مجمعا ثالثا فحدث فيهم النسطورية، وكل هذه الفرق تثبت الأقاليم الثلاثة في المسيح ويختلفون في كيفية ذلك، وفي اللاهوت والناسوت على زعمهم هل اتحدا، أو ما اتحدا، أو امتزجا، أو حل فيه على ثلاث مقالات وكل منهم يكفر الفرقة الأخرى، ونحن نكفر الثلاثة، ولهذا قال تعالى: ﴿اِنْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ﴾ أي يكن خيرا لكم ﴿إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ﴾ أي تعالى وتقدس عن ذلك علوا كبيرا ﴿لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً﴾ أي الجميع ملكه وخلقه، وجميع ما فيها عبيده وهم تحت تدبيره وتصريفه، وهو وكيل على كل شيء، فكيف يكون له منهم صاحبة وولد، كما قال في الآية الأخرى:

﴿بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ﴾ [الأنعام: ١٠١]، وقال تعالى: ﴿وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا﴾ -إلى قوله- ﴿فَرْداً﴾ [مريم: ٨٩ - ٩٥].

[[سورة النساء (٤): الآيات ١٧٢ إلى ١٧٣]]

﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اِسْتَنْكَفُوا وَاِسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣)

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: قوله: ﴿لَنْ يَسْتَنْكِفَ﴾ لن يستكبر. وقال قتادة: لن يحتشم ﴿الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ وقد استدل بعض من ذهب إلى تفضيل الملائكة على البشر بهذه الآية حيث قال: ﴿وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ﴾ وليس له في ذلك دلالة، لأنه إنما عطف الملائكة على المسيح، لأن الاستنكاف هو الامتناع، والملائكة أقدر على ذلك من المسيح،


(١) البطرك والبطريرك والبترك بمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>