إلى مريم، فنفخ فيها بإذن الله فكان عيسى ﵇. وقال البخاري (١): حدثنا صدقة بن الفضل، حدثنا الوليد، حدثنا الأوزاعي، حدثني عمير بن هانئ، حدثنا جنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت، عن النبي ﷺ قال:«من شهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل». وقال الوليد: فحدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن عمير بن هانئ، عن جنادة زاد «من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء».
وكذا رواه مسلم عن داود بن رشيد، عن الوليد، عن ابن جابر به، ومن وجه آخر عن الأوزاعي به، فقوله في الآية والحديث «وروح منه» كقوله: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣] أي من خلقه ومن عنده وليست من للتبعيض كما تقوله النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة-بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد في قوله: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي ورسوله منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول وهو أنه مخلوق من روح مخلوقة وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله: ﴿هذِهِ ناقَةُ اللهِ﴾ [الأعراف: ٧٣] وفي قوله: ﴿أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ﴾ [الحج: ٢٦] وكما روي في الحديث الصحيح: «فأدخل على ربي في داره» أضافها إليه إضافة تشريف، وهذا كله من قبيل واحد ونمط واحد.
وقوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ﴾ [الأعراف: ١٥٨] أي فصدقوا بأن الله واحد أحد، لا ولد له ولا صاحبة، واعلموا وتيقنوا بأن عيسى عبد الله ورسوله، ولهذا قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ﴾ أي لا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وهذه الآية كالتي في سورة المائدة حيث يقول تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاّ إِلهٌ واحِدٌ﴾ [المائدة: ٧٣] وكما قال في آخر السورة المذكورة: ﴿وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي﴾ [المائدة: ١١٦]، وقال في أولها ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١٧]، -فالنصارى عليهم لعائن الله-من جهلهم ليس لهم ضابط، ولا لكفرهم حد، بل أقوالهم وضلالهم منتشر، فمنهم من يعتقده إلها، ومنهم من يعتقده شريكا، ومنهم من يعتقده ولدا، وهم طوائف كثيرة لهم آراء مختلفة، وأقوال غير مؤتلفة. ولقد أحسن بعض المتكلمين حيث قال: لو اجتمع عشرة من النصارى لافترقوا على أحد عشر قولا.