للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الإمام أحمد (١): حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رجلا قال يا محمد يا سيدنا وابن سيدنا، وخيرنا وابن خيرنا؛ فقال رسول الله : «أيها الناس عليكم بقولكم (٢) ولا يستهويكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله ﷿» تفرد به من هذا الوجه.

وقوله تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ﴾ أي لا تفتروا عليه وتجعلوا له صاحبة وولدا، تعالى الله ﷿ عن ذلك علوا كبيرا، وتنزه وتقدس وتوحد في سؤدده وكبريائه وعظمته، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه، ولهذا قال: ﴿إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ أي إنما هو عبد من عباد الله وخلق من خلقه، قال له: كن فكان، ورسول من رسله وكلمته ألقاها إلى مريم، أي خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل إلى مريم فنفخ فيها من روحه بإذن ربه ﷿، فكان عيسى بإذنه ﷿، وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم، والجميع مخلوق الله ﷿، ولهذا قيل لعيسى: إنه كلمة الله وروح منه، لأنه لم يكن له أب تولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان، والروح التي أرسل بها جبريل قال الله تعالى: ﴿مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ﴾ [المائدة: ٧٥]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [آل عمران: ٥٩]. وقال تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَجَعَلْناها وَابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ٩١] وقال تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها﴾ [التحريم: ١٢] إلى آخر السورة، وقال تعالى إخبارا عن المسيح: ﴿إِنْ هُوَ إِلاّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ﴾ [الزخرف: ٥٩].

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ هو قوله: كن فيكون. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي قال: سمعت شاذان بن يحيى يقول في قول الله ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ قال: ليس الكلمة صارت عيسى ولكن بالكلمة صار عيسى، وهذا أحسن مما ادعاه ابن جرير (٣) في قوله: ﴿أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ﴾ أي أعلمها بها، كما زعمه في قوله: ﴿إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ﴾ [آل عمران: ٤٣ - ٤٥] أي يعلمك بكلمة منه ويجعل ذلك كقوله تعالى: ﴿وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾ [القصص: ٨٦] بل الصحيح أنها الكلمة التي جاء بها جبريل


(١) مسند أحمد ٣/ ١٥٣.
(٢) في المسند: «بتقواكم».
(٣) تفسير الطبري ٤/ ٣٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>