ذلك، فقال له رجل: على أي شيء كان أمير المؤمنين قبل ذلك، قال: كنت أقرأ ﴿قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: ١]، وقد روى هذا الأثر الوليد بن مسلم عن مالك والأوزاعي، كلاهما عن أبي عبيد به، وروى هذا الأثر الوليد أيضا عن ابن جابر، عن يحيى بن يحيى الغساني، عن محمود بن لبيد، عن الصنابحي، أنه صلى خلف أبي بكر المغرب، فقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة قصيرة يجهر بالقراءة، فلما قام إلى الثالثة، ابتدأ القراءة، فدنوت منه حتى إن ثيابي لتمس ثيابه، فقرأ هذه الآية ﴿رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا﴾ الآية.
وقوله ﴿رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ﴾ [آل عمران: ٩] أي يقولون في دعائهم:
إنك يا ربنا ستجمع بين خلقك يوم معادهم، وتفصل بينهم وتحكم فيهم فيما اختلفوا فيه، وتجزي كلا بعمله وما كان عليه في الدنيا من خير وشر.
يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ﴾ [غافر: ٥٢] وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله، ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه، كما قال تعالى: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ﴾ [التوبة: ٥٥] وقال تعالى:
﴿لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ، مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ﴾ [آل عمران: ١٩٦ - ١٩٧]، وقال هاهنا ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي بآيات الله، وكذبوا رسله، وخالفوا كتابه، ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه ﴿لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النّارِ﴾ أي حطبها الذي تسجر (١) به، وتوقد به، كقوله: ﴿إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا ابن لهيعة، أخبرني ابن الهاد عن هند بنت الحارث، عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس، قالت: بينما نحن بمكة، قام رسول الله ﷺ من الليل فنادى «هل بلغت اللهم، هل بلغت» ثلاثا، فقام عمر بن الخطاب ﵁ فقال: نعم، ثم أصبح فقال رسول الله ﷺ«ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه، ولتخوضنّ البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرءونه، ثم يقولون: قد قرأنا وعلمنا، فمن هذا الذي هو خير منا، فهل في أولئك من خير؟» قالوا: يا رسول الله، فمن أولئك؟ قال «أولئك منكم، وأولئك هم وقود النار» وكذا رأيته بهذا اللفظ.
وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد، عن هند بنت الحارث امرأة