للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة ﴿وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً﴾ ثم قال: وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل، وهو ولد الشاة، كان جنيا حتى يرهب الإنسي ويخاف منه، ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله أعلم. وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً﴾ أي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولا، قاله الكلبي وابن جرير (١).

[[سورة الجن (٧٢): الآيات ٨ إلى ١٠]]

﴿وَأَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩) وَأَنّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً (١٠)

يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدا وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرسا شديدا وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئا من القرآن، فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدري من الصادق، وهذا من لطف الله تعالى بخلقه، ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجن ﴿وَأَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً﴾ أي من يروم أن يسترق السمع يجد له شهابا مرصدا له لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه اليوم ويهلكه.

﴿وَأَنّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً﴾ أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا، وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل والخير أضافوه إلى الله ﷿.

وقد ورد في الصحيح «والشر ليس إليك» (٢) وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان، كما في حديث ابن عباس: بينما نحن جلوس مع رسول الله إذا رمي بنجم فاستنار فقال: «ما كنتم تقولون في هذا؟» فقلنا: كنا نقول يولد عظيم، يموت عظيم فقال: «ليس كذلك، ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء» (٣) وذكر تمام الحديث وقد أوردناه في سورة سبأ بتمامه، وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول الله يقرأ بأصحابه في الصلاة، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء، فآمن من آمن منهم وتمرد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف:


(١) تفسير الطبري ١٢/ ٢٦٥.
(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٠١، والنسائي في الافتتاح باب ١٧.
(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٤، باب ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>