للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولدا، ولهذا قالوا ﴿وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا﴾ أي قبل إسلامه ﴿عَلَى اللهِ شَطَطاً﴾ أي باطلا وزورا، ولهذا قالوا ﴿وَأَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً﴾ أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.

وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً﴾ أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم، كما قال قتادة ﴿فَزادُوهُمْ رَهَقاً﴾ أي إثما وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة. وقال الثوري: عن منصور عن إبراهيم: ﴿فَزادُوهُمْ رَهَقاً﴾: اي ازدادت الجن عليهم جرأة وقال السدي: كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال قتادة: فإذا عاذبهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال: كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد، فكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي، فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول الله ﷿: ﴿وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً﴾ أي إثما. وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم ﴿رَهَقاً﴾ أي خوفا وقال العوفي عن ابن عباس ﴿فَزادُوهُمْ رَهَقاً﴾ أي إثما، وكذا قال قتادة وقال مجاهد: زاد الكفار طغيانا.

وقال ابن حاتم: حدثنا أبي، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي، حدثنا القاسم بن مالك-يعني المزني-عن عبد الرّحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله بمكة، فآوانا المبيت إلى راعي غنم، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال:

يا عامر الوادي جارك، فنادى مناد لا نراه يقول: يا سرحان (١) أرسله. فأتى الحمل يشتد (٢)


(١) السرحان: الأسد، وقيل: الذئب.
(٢) يشتدّ: أي يسرع.

<<  <  ج: ص:  >  >>