للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بها» ولم يصل عليها، وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جهل حاله حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان لأنه كان يعلم أعيان المنافقين، قد أخبره بهم رسول الله ، ولهذا كان يقال له صاحب السر الذي لا يعلمه غيره أي من الصحابة.

وقال أبو عبيد في كتاب الغريب في حديث عمر، أنه أراد أن يصلي على جنازة رجل فمرزه حذيفة كأنه أراد أن يصده عن الصلاة عليها. ثم حكي عن بعضهم أن المرز بلغة أهل اليمامة هو القرص بأطراف الأصابع، ولما نهى الله ﷿ عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم للاستغفار لهم، كان هذه الصنيع من أكبر القربات في حق المؤمنين فشرع ذلك، وفي فعله الأجر الجزيل كما ثبت في الصحاح وغيرها من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله قال: «من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان» قيل وما القيراطان؟ قال «أصغرهما مثل أحد» (١) وأما القيام عند قبر المؤمن إذا مات، فروى أبو داود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أخبرنا هشام عن عبد الله بن بحير عن هانئ، وهو أبو سعيد البربري مولى عثمان بن عفان عن عثمان قال: كان رسول الله إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» انفرد بإخراجه أبو داود (٢) .

[[سورة التوبة (٩): آية ٨٥]]

﴿وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٨٥)

قد تقدم تفسير نظير هذه الآية الكريمة ولله الحمد والمنة (٣).

[[سورة التوبة (٩): الآيات ٨٦ إلى ٨٧]]

﴿وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللهِ وَجاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اِسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ (٨٦) رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ (٨٧)

يقول تعالى منكرا وذاما للمتخلفين عن الجهاد الناكلين عنه مع القدرة عليه ووجود السعة والطول. واستأذنوا الرسول في القعود وقالوا ﴿ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ﴾ ورضوا لأنفسهم بالعار والقعود في البلد مع النساء، وهن الخوالف بعد خروج الجيش، فإذا وقع الحرب كانوا أجبن الناس، وإذا كان أمن كانوا أكثر الناس كلاما، كما قال تعالى عنهم في الآية الأخرى: ﴿فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ﴾ [الأحزاب: ١٩] أي علت ألسنتهم بالكلام الحاد القوي في الأمن، وفي الحرب أجبن شيء، وكما قال الشاعر: [الطويل]


(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٥٩، ومسلم في الجنائز حديث ٥٢.
(٢) كتاب الجنائز باب ٦٩.
(٣) انظر تفسير الآية ٥٥ من هذه السورة.

<<  <  ج: ص:  >  >>