للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل المدينة، ثم إنه جاء رسول الله من المدينة سبعون نقيبا، رؤوس الذين أسلموا، فوافوه بالحج فبايعوه بالعقبة، وأعطوه عهودهم ومواثيقهم، على أنا منك وأنت منا، وعلى أن من جاء من أصحابك أو جئتنا فإنا نمنعك مما نمنع منه أنفسنا، فاشتدت عليهم قريش، عند ذلك، فأمر رسول الله أصحابه، أن يخرجوا إلى المدينة، وهي الفتنة الآخرة التي أخرج فيها رسول الله أصحابه، وخرج هو، وهي التي أنزل الله ﷿ فيها ﴿وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ﴾، ثم رواه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، عن عروة بن الزبير، أنه كتب إلى الوليد يعني ابن عبد الملك بن مروان بهذا، فذكر مثله، وهذا صحيح إلى عروة .

[[سورة الأنفال (٨): آية ٤١]]

﴿وَاِعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ اِلْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١)

يبين تعالى تفصيل ما شرعه مخصصا لهذه الأمة الشريفة، من بين سائر الأمم المتقدمة بإحلال الغنائم. والغنيمة هي المال المأخوذ من الكفار، بإيجاف (١) الخيل والركاب، والفيء ما أخذ منهم بغير ذلك، كالأموال التي يصالحون عليها أو يتوفون عنها، ولا وارث لهم، والجزية والخراج ونحو ذلك، هذا مذهب الإمام الشافعي في طائفة من علماء السلف والخلف.

ومن العلماء من يطلق الفيء على ما تطلق عليه الغنيمة، وبالعكس أيضا، ولهذا ذهب قتادة إلى أن هذه الآية ناسخة لآية الحشر ﴿ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى﴾ [الحشر: ٨] الآية، قال فنسخت آية الأنفال تلك، وجعلت الغنائم أربعة أخماس للمجاهدين، وخمسا منها لهؤلاء المذكورين، وهذا الذي قاله بعيد، لأن هذه الآية نزلت بعد وقعة بدر، وتلك نزلت في بني النضير، ولا خلاف بين علماء السير والمغازي قاطبة، أن بني النضير بعد بدر، وهذا أمر لا يشك فيه ولا يرتاب، فمن يفرق بين معنى الفيء والغنيمة، يقول تلك نزلت في أموال الفيء، وهذه في الغنائم، ومن يجعل أمر الغنائم والفيء راجعا إلى رأي الإمام، يقول: لا منافاة بين آية الحشر وبين التخميس، إذا رآه الإمام والله أعلم.

فقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾ توكيد لتخميس كل قليل وكثير حتى الخيط والمخيط، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [آل عمران: ١٦١]، وقوله ﴿فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ اختلف المفسرون هاهنا، فقال بعضهم: لله نصيب من الخمس يجعل في الكعبة. قال أبو جعفر


(١) الإيجاف: سرعة السير، وأوجف دابته: حثها على السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>