المنافقون، والله يعلم ما في قلوبهم وسيجزيهم على ذلك، فإنه لا تخفى عليه خافية، فاكتف به يا محمد فيهم، فإنه عالم بظواهرهم وبواطنهم. ولهذا قال له ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أي لا تعنفهم على ما في قلوبهم ﴿وَعِظْهُمْ﴾ أي وانههم عما في قلوبهم من النفاق وسرائر الشر، ﴿وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً﴾ أي وأنصحهم فيما بينك وبينهم بكلام بليغ رادع لهم.
يقول تعالى: ﴿وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ﴾ أي فرضت طاعته على من أرسله إليهم.
وقوله ﴿بِإِذْنِ اللهِ﴾ قال مجاهد: أي لا يطيع أحد إلا بإذني، يعني لا يطيعهم إلا من وفقته لذلك، كقوله ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ﴾ [آل عمران: ١٥٢] أي عن أمره وقدره ومشيئته وتسليطه إياكم عليهم. وقوله ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية، يرشد تعالى العصاة والمذنبين إذا وقع منهم الخطأ والعصيان أن يأتوا إلى الرسول ﷺ، فيستغفروا الله عنده ويسألوه أن يستغفر لهم، فإنهم إذا فعلوا ذلك تاب الله عليهم ورحمهم وغفر لهم، ولهذا قال ﴿لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً﴾ وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو نصر بن الصباغ في كتابه الشامل الحكاية المشهورة عن العتبي، قال: كنت جالسا عند قبر النبي ﷺ، فجاء أعرابي فقال: السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً﴾ وقد جئتك مستغفرا لذنبي مستشفعا بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:[البسيط] يا خير من دفنت بالقاع أعظمه … فطاب من طيبهن القاع والأكم
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني فرأيت النبي ﷺ في النوم، فقال يا عتبي، الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له».
وقوله ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول ﷺ في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال ﴿ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث «والذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى يكون