للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في صدفة نبتت بها عنبرة، وروي من غير وجه عن ابن عباس نحوه.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف في البحر أفواهها فما وقع فيها، يعني من قطر فهو اللؤلؤ. إسناده صحيح، ولما كان اتخاذ هذه الحلية نعمة على أهل الأرض، امتن بها عليهم فقال: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ﴾ يعني السفن التي تجري في البحر قال مجاهد:

ما رفع قلعه من السفن فهي منشأة وما لم يرفع قلعه فليس بمنشأة، وقال قتادة: ﴿الْمُنْشَآتُ﴾ يعني المخلوقات، وقال غيره، المنشئات بكسر الشين يعني البادئات ﴿كَالْأَعْلامِ﴾ أي كالجبال في كبرها وما فيها من المتاجر والمكاسب المنقولة من قطر إلى قطر وإقليم إلى إقليم، مما فيه صلاح الناس في جلب ما يحتاجون إليه من سائر أنواع البضائع، ولهذا قال: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا العرار بن سويد عن عميرة بن سعد قال: كنت مع علي بن أبي طالب على شاطئ الفرات إذ أقبلت سفينة مرفوع شراعها فبسط علي يديه ثم قال: يقول الله ﷿:

﴿وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ﴾ والذي أنشأها تجري في بحوره ما قتلت عثمان ولا مالأت على قتله.

[[سورة الرحمن (٥٥): الآيات ٢٦ إلى ٣٠]]

﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)

يخبر تعالى أن جميع أهل الأرض سيذهبون ويموتون أجمعون، وكذلك أهل السموات إلا من شاء الله ولا يبقى أحد سوى وجهه الكريم، فإن الرب تعالى وتقدس لا يموت بل هو الحي الذي لا يموت أبدا، قال قتادة: أنبأ بما خلق ثم أنبأ أن ذلك كله فان. وفي الدعاء المأثور:

يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت برحمتك نستغيث أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا إلى أحد من خلقك. وقال الشعبي: إذا قرأت ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ﴾ فلا تسكت حتى تقرأ ﴿وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ﴾ وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] وقد نعت تعالى وجهه الكريم في هذه الآية بأنه ذو الجلال والإكرام أي هو أهل أن يجل فلا يعصى، وأن يطاع فلا يخالف كقوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ [الكهف: ٢٨] وكقوله إخبارا عن المتصدقين: ﴿إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ﴾ [الإنسان:٩].

<<  <  ج: ص:  >  >>