للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾ تقدم تفسيره ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ يعني مشرقي الصيف والشتاء ومغربي الصيف والشتاء، وقال في الآية الأخرى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ﴾ [المعارج: ٤٠] وذلك باختلاف مطالع الشمس وتنقلها في كل يوم وبروزها منه إلى الناس. وقال في الآية الأخرى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً﴾ [المزمل: ٩] وهذا المراد منه جنس المشارق والمغارب، ولما كان في اختلاف هذه المشارق والمغارب مصالح للخلق من الجن والإنس قال: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ﴾.

وقوله تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ﴾ قال ابن عباس: أي أرسلهما. وقوله: ﴿يَلْتَقِيانِ﴾ قال ابن زيد: أي منعهما أن يلتقيا بما جعل بينهما من البرزخ الحاجز الفاصل بينهما، والمراد بقوله ﴿الْبَحْرَيْنِ﴾ الملح والحلو، فالحلو هذه الأنهار السارحة بين الناس، وقد قدمنا الكلام على ذلك في سورة الفرقان عند قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً﴾ [الفرقان: ٥٣] قد اختار ابن جرير هاهنا أن المراد بالبحرين: بحر السماء وبحر الأرض، وهو مروي عن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية وابن أبزى، قال ابن جرير: لأن اللؤلؤ يتولد من ماء السماء وأصداف بحر الأرض وهذا وإن كان هكذا لكن ليس المراد بذلك ما ذهب إليه، فإنه لا يساعده اللفظ فإنه تعالى قد قال:

﴿بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ﴾ أي وجعل بينهما برزخا، وهو الحاجز من الأرض لئلا يبغي هذا على هذا، وهذا على هذا، فيفسد كل واحد منهما الآخر ويزيله عن صفته التي هي مقصودة منه، وما بين السماء والأرض لا يسمى برزخا وحجرا محجورا.

وقوله تعالى: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ﴾ أي من مجموعهما، فإذا وجد ذلك من أحدهما كفى كما قال تعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠] والرسل إنما كانوا في الإنس خاصة دون الجن وقد صح هذا الإطلاق. واللؤلؤ معروف، وأما المرجان فقيل هو صغار اللؤلؤ (١)، قاله مجاهد وقتادة وأبو رزين والضحاك وروي عن علي، وقيل كباره وجيده، حكاه ابن جرير عن بعض السلف ورواه ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس، وحكاه عن السدي عمن حدثه عن ابن عباس، وروي مثله عن علي ومجاهد أيضا ومرة الهمداني، وقيل: هو نوع من الجواهر أحمر اللون، قال السدي عن أبي مالك عن مسروق عن عبد الله قال: المرجان الخرز الأحمر، قال السدي: وهو البسذ بالفارسية، وأما قوله: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها﴾ [فاطر: ١٢] فاللحم من كل من الأجاج والعذب والحلية إنما هي من الملح دون العذب. قال ابن عباس: ما سقطت قط قطرة من السماء في البحر فوقعت في صدفة إلا صار منها لؤلؤة، وكذا قال عكرمة، وزاد: فإذا لم تقع


(١) تفسير الطبري ١١/ ٥٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>