للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة آل عمران (٣): الآيات ١٥٩ إلى ١٦٤]]

﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (١٥٩) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٦٠) وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اِتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١٦٤)

يقول تعالى مخاطبا رسوله، ممتنا عليه وعلى المؤمنين فيما ألان به قلبه على أمته المتبعين لأمره، التاركين لزجره، وأطاب لهم لفظه ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ أي: أي شيء جعلك لهم لينا، لولا رحمة الله بك وبهم، وقال قتادة ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ يقول فبرحمة من الله لنت لهم، وما صلة (١)، والعرب تصلها بالمعرفة كقوله ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ﴾ [النساء: ١٥٥] وبالنكرة كقوله: ﴿عَمّا قَلِيلٍ﴾ [المؤمنون: ٤٠] وهكذا هاهنا قال: ﴿فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ أي برحمة من الله، وقال الحسن البصري هذا خلق محمد بعثه الله به، وهذه الآية الكريمة شبيهة بقوله تعالى: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: ١٢٨].

وقال الإمام أحمد (٢): حدثنا حيوة، حدثنا بقية، حدثنا محمد بن زياد، حدثني أبو راشد الحبراني قال: أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي وقال: أخذ بيدي رسول الله فقال «يا أبا أمامة إن من المؤمنين من يلين لي قلبه» تفرد به أحمد.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾ [آل عمران: ١٥٩] والفظ الغليظ، والمراد به هاهنا غليظ الكلام لقوله بعد ذلك ﴿غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾ أي لو كنت سيء الكلام، قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفا لقلوبهم، كما قال عبد الله بن عمرو: «إني أرى صفة رسول الله في الكتب المتقدمة إنه ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح».

وقال أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي: أنبأنا بشر بن عبيد الدارمي، حدثنا عمار بن عبد الرحمن عن المسعودي عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت: قال رسول الله «إن الله أمرني بمداراة الناس كما أمرني بإقامة الفرائض» حديث غريب.


(١) أي زائدة.
(٢) مسند أحمد ٥/ ٢٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>