للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا قال تعالى: ﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ ولذلك كان رسول الله يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث تطييبا لقلوبهم ليكون أنشط لهم فيما يفعلونه، كما شاورهم يوم بدر في الذهاب إلى العير، فقالوا: يا رسول الله، لو استعرضت بنا عرض البحر لقطعناه معك، ولو سرت بنا إلى برك الغماد (١) لسرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون: ولكن نقول اذهب، فنحن معك، وبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك مقاتلون. وشاورهم أيضا أين يكون المنزل، حتى أشار المنذر بن عمرو المعنق ليموت (٢)، بالتقدم إلى أمام القوم. وشاورهم في أحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو، فأشار جمهورهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى ذلك عليه السعدان سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فترك ذلك، وشاورهم يوم الحديبية في أن يميل على ذراري المشركين.

فقال له الصديق: إنا لم نجيء لقتال أحد وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال، وقال في قصة الإفك «أشيروا عليّ معشر المسلمين في قوم أبنوا (٣) أهلي ورموهم، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن؟ والله ما علمت عليه إلا خيرا» واستشار عليا وأسامة في فراق عائشة . فكان يشاورهم في الحروب ونحوها وقد اختلف الفقهاء هل كان ذلك واجبا عليه أو من باب الندب تطييبا لقلوبهم؟ على قولين.

وقد قال الحاكم في مستدركه: أنبأنا أبو جعفر محمد بن محمد البغدادي، حدثنا يحيى بن أيوب العلاف بمصر، حدثنا سعيد بن أبي مريم، أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ قال: أبو بكر وعمر ، ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وكذا رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزلت في أبي بكر وعمر، وكانا حواريّي رسول الله ووزيريه، وأبوي المسلمين، وقد روى الإمام أحمد (٤): حدثنا وكيع، حدثنا عبد الحميد عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم أن رسول الله ، قال لأبي بكر وعمر «لو اجتمعنا في مشورة ما خالفتكما» وروى ابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال: سئل رسول الله عن العزم؟ فقال «مشاورة أهل الرأي ثم اتباعهم» وقد قال ابن ماجة (٥): حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا


(١) برك الغماد: موضع باليمن.
(٢) المعنق ليموت: لقب أطلقه عليه رسول الله لما بلغه مقتله فقال: «أعنق ليموت» أي أنه تطلع إلى منيته وأسرع إليها- انظر سيرة ابن هشام ٢/ ١٨٣ حديث بئر معونة.
(٣) أي اتهموهم.
(٤) مسند أحمد ٤/ ٢٢٧.
(٥) سنن ابن ماجة (أدب باب ٣٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>