ثم بين تعالى إعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله ولا بسورة من مثله لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات. وذاته لا يشبهها شيء تعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو ولا رب سواه ثم قال تعالى: ﴿فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ﴾ فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك وأن هذا الكلام منزل من عند الله متضمن علمه وأمره ونهيه ﴿وَأَنْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا يقول من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله تعالى: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين: وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد، وقال أنس بن مالك والحسن: نزلت في اليهود والنصارى، وقال مجاهد وغيره: نزلت في أهل الرياء، وقال قتادة: من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة (١)، وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا.
(١) انظر الحديث في تفسير الطبري ٧/ ١٤، ولفظه: «من كانت الدنيا همّه وسدمه وطلبته ونيته»، والسّدم: الولوع بالشيء واللهج به، والغم بطلبه والندم على فوته، وقد أخرجه بلفظ الطبري الدارمي في المقدمة باب ٣٢.