مرسلا، وفيه غرابة ونكارة، ولعل فيه إدراجا، والله أعلم. وقال ابن جرير: لا يجوز أن يحمل هؤلاء على أنهم أصحاب الرس الذين ذكروا في القرآن، لأن الله أخبر عنهم أنه أهلكهم، وهؤلاء قد بدا لهم فآمنوا بنبيهم اللهم إلا أن يكون حدث لهم أحداث آمنوا بالنبي بعد هلاك آبائهم، والله أعلم. واختار ابن جرير أن المراد بأصحاب الرس هم أصحاب الأخدود الذين ذكروا في سورة البروج، فالله أعلم.
وقوله تعالى: ﴿وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً﴾ أي وأمما أضعاف من ذكر أهلكناهم كثيرة، ولهذا قال ﴿وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ﴾ أي بينا لهم الحجج ووضحنا لهم الأدلة، كما قال قتادة: وأزحنا الأعذار عنهم ﴿وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً﴾ أي أهلكنا إهلاكا، كقوله تعالى: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ﴾ [الإسراء: ١٧] والقرن هو الأمة من الناس، كقوله ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ﴾ [المؤمنون: ٣١] وحده بعضهم بمائة وعشرين سنة. وقيل بمائة. وقيل بثمانين، وقيل أربعين، وقيل غير ذلك، والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد وإذا ذهبوا وخلفهم جيل فهم قرن آخر، كما ثبت في الصحيحين «خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم»(١) الحديث.
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ يعني قرية قوم لوط، وهي سدوم ومعاملتها التي أهلكها الله بالقلب وبالمطر من الحجارة التي من سجيل، كما قال تعالى:
﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ [الشعراء: ١٧٣] وقال ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الصافات: ١٣٧ - ١٣٨] وقال تعالى: ﴿وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ﴾ [الحجر: ٧٦] وقال ﴿وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: ٧٩] ولهذا قال ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَها﴾ أي فيعتبروا بما حل بأهلها من العذاب والنكال بسبب تكذيبهم بالرسول وبمخالفتهم أوامر الله ﴿بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً﴾ يعني المارين بها من الكفار لا يعتبرون لأنهم لا يرجون نشورا، أي معادا يوم القيامة.
يخبر تعالى عن استهزاء المشركين بالرسول ﷺ إذا رأوه كما قال تعالى: ﴿وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً﴾ [الأنبياء: ٣٦] الآية، يعنونه بالعيب والنقص. وقال هاهنا ﴿وَإِذا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلاّ هُزُواً أَهذَا الَّذِي بَعَثَ اللهُ رَسُولاً﴾؟ أي على سبيل التنقيص والازدراء
(١) أخرجه البخاري في الشهادات باب ٩، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢١٠.