للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾ قال: إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خرّ لوجهه ترتعد فرائصه، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ويقول: رب لا أسألك اليوم إلا نفسي. وقوله ﴿وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ﴾ قال قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: مثل الزج في الرمح، أي من ضيقه، وقال عبد الله بن وهب: أخبرني نافع بن يزيد عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث إلى رسول الله ، أنه سئل عن قول الله ﴿وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ﴾ قال «والذي نفسي بيده، إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» وقوله ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ قال أبو صالح: يعني مكتفين ﴿دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً﴾ أي بالويل والحسرة والخيبة ﴿لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً﴾ الآية. روى الإمام أحمد (١): حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن يزيد عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: «أول من يكسى حلة من النار إبليس، فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه وذريته من بعده، وهو ينادي يا ثبوراه، وينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار، فيقول يا ثبوراه ويقولون يا ثبورهم، فيقال لهم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا، وادعوا ثبورا كثيرا» لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة.

ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن عفان به، ورواه ابن جرير من حديث حماد بن سلمة به. وقال العوفي عن ابن عباس في قوله ﴿لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً﴾ الآية، أي لا تدعوا اليوم ويلا واحدا، وادعوا ويلا كثيرا، وقال الضحاك: الثبور الهلاك، والأظهر أن الثبور يجمع الهلاك والويل والخسار والدمار، كما قال موسى لفرعون ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً﴾ أي هالكا. وقال عبد الله بن الزبعرى [الخفيف]:

إذ أجاري الشيطان في سنن الغي … ومن مال ميله مثبور

[[سورة الفرقان (٢٥): الآيات ١٥ إلى ١٦]]

﴿قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦)

يقول تعالى: يا محمد هذا الذي وصفناه لك من حال الأشقياء الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم، فتتلقاهم بوجه عبوس وبغيظ وزفير، ويلقون في أماكنها الضيق مقرنين لا يستطيعون حراكا ولا استنصارا ولا فكاكا مما هم فيه، أهذا خير أم جنة الخلد التي وعدها الله المتقين من عباده، التي أعدها لهم وجعلها لهم جزاء ومصيرا على ما أطاعوه في الدنيا، وجعل مآلهم إليها ﴿لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ﴾ من الملاذ من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومراكب ومناظر، وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب أحد، وهم في ذلك خالدون أبدا دائما سرمدا بلا انقطاع ولا زوال ولا انقضاء ولا يبغون عنها


(١) المسند ٣/ ١٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>