للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة القصص (٢٨): الآيات ٢٥ إلى ٢٨]]

﴿فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اِسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اِسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اِسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى اِبْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)

لما رجعت المرأتان سريعا بالغنم إلى أبيهما، أنكر حالهما بسبب مجيئهما سريعا، فسألهما عن خبرهما، فقصتا عليه ما فعل موسى ، فبعث إحداهما إليه لتدعوه إلى أبيها، قال الله تعالى: ﴿فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ﴾ أي مشي الحرائر، كما روي عن أمير المؤمنين عمر أنه قال: كانت مستترة بكم درعها. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو نعيم، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون قال: قال عمر : جاءت تمشي على استحياء قائلة بثوبها على وجهها، ليست بسلفع من النساء دلاجة ولاجة خراجة. هذا إسناد صحيح.

قال الجوهري: السلفع من الرجال الجسور، ومن النساء الجارية السليطة، ومن النوق الشديدة. ﴿قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا﴾ وهذا تأدب في العبارة لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة، بل قالت: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، يعني ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا ﴿فَلَمّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ أي ذكر له ما كان من أمره وما جرى له من السبب الذي خرج من أجله من بلده ﴿قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ يقول: طب نفسا وقر عينا، فقد خرجت من مملكتهم، فلا حكم لهم في بلادنا، ولهذا قال:

﴿نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾.

وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو؟ على أقوال أحدها أنه شعيب النبي الذي أرسل إلى أهل مدين، وهذا هو المشهور عند كثير من العلماء، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد، ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز الأوسي، حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن شعيبا هو الذي قص عليه موسى القصص، قال ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ﴾. وقد روى الطبراني عن سلمة بن سعد العنزي أنه وفد على رسول الله فقال له «مرحبا بقوم شعيب وأختان موسى هديت» وقال آخرون: بل كان ابن أخي شعيب.

وقيل رجل مؤمن من قوم شعيب.

وقال آخرون. كان شعيب قبل زمان موسى بمدة طويلة لأنه قال لقومه ﴿وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ﴾ وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل بنص القرآن، وقد علم أنه كان بين الخليل وموسى مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة، كما ذكره غير واحد. وما قيل إن شعيبا عاش مدة طويلة، إنما هو-والله أعلم-احتراز من هذا الأشكال، ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في

<<  <  ج: ص:  >  >>