للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففعل الله به ذلك وهداه إلى الصراط المستقيم في الدنيا والآخرة، فجعله هاديا مهديا.

﴿وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ﴾ أي لما وصل إلى مدين وورد ماءها، وكان لها بئر يرده رعاء الشاء ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُونَ﴾ أي جماعة يسقون، ﴿وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ﴾ أي تكفكفان غنمهما أن ترد مع غنم أولئك الرعاء لئلا يؤذيا، فلما رآهما موسى رق لهما ورحمهما ﴿قالَ ما خَطْبُكُما﴾؟ أي ما خبركما لا تردان مع هؤلاء؟ ﴿قالَتا لا نَسْقِي حَتّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ﴾ أي لا يحصل لنا سقي إلا بعد فراغ هؤلاء ﴿وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ أي فهذا الحال الملجئ لنا إلى ما ترى، قال الله تعالى: ﴿فَسَقى لَهُما﴾.

قال أبو بكر بن أبي شيبة. حدثنا عبد الله، أنبأنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأودي عن عمر بن الخطاب أن موسى لما ورد ماء مدين، وجد عليه أمة من الناس يسقون قال: فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال، فإذا هو بامرأتين تذودان قال: ما خطبكما؟ فحدثتاه، فأتى الحجر فرفعه، ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم، إسناد صحيح.

وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَوَلّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ قال ابن عباس: سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيا، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة، وقوله ﴿إِلَى الظِّلِّ﴾ قال ابن عباس وابن مسعود والسدي: جلس تحت شجرة.

وقال ابن جرير (١): حدثني الحسين بن عمرو العنقزي، حدثنا أبي، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله-هو ابن مسعود-قال: حثثت على جمل ليلتين حتى صبحت مدين، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى، فإذا هي شجرة خضراء ترف، فأهوى إليها جملي وكان جائعا فأخذها جملي فعالجها ساعة ثم لفظها، فدعوت الله لموسى ثم انصرفت. وفي رواية عن ابن مسعود أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم الله منها موسى، كما سيأتي إن شاء الله، فالله أعلم. وقال السدي، كانت الشجرة من شجر السمر.

وقال عطاء بن السائب لما قال موسى ﴿رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ أسمع المرأة (٢).


(١) تفسير الطبري ١٠/ ٥٦، ٥٧.
(٢) انظر تفسير الطبري ١٠/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>