إبراهيم، حتى كان آخرهم عيسى ابن مريم، فقام في ملئهم مبشرا بالنبي العربي القرشي الهاشمي خاتم الرسل على الإطلاق، وسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، الذي اصطفاه الله من صميم العرب العرباء من سلالة إسماعيل بن إبراهيم ﵉، ولم يوجد نبي من سلالة إسماعيل سواه، عليه أفضل الصلاة والسلام.
وقوله: ﴿وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ أي جمع الله له بين سعادة الدنيا الموصولة بسعادة الآخرة، فكان له في الدنيا الرزق الواسع الهني، والمنزل الرحب، والمورد العذب، والزوجة الحسنة الصالحة، والثناء الجميل، والذكر الحسن، وكل أحد يحبه ويتولاه، كما قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم: مع القيام بطاعة الله من جميع الوجوه، كما قال تعالى: ﴿وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى﴾ [النجم: ٣٢] أي قام بجميع ما أمر به وكمل طاعة ربه، ولهذا قال تعالى: ﴿وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ﴾ وكما قال تعالى:
يقول تعالى مخبرا عن نبيه لوط ﵇، أنه أنكر على قومه سوء صنيعهم، وما كانوا يفعلونه من قبيح الأعمال في إتيانهم الذكران من العالمين، ولم يسبقهم إلى هذه الفعلة أحد من بني آدم قبلهم، وكانوا مع هذا يكفرون بالله ويكذبون رسله، ويخالفون ويقطعون السبيل، أي يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ﴿وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ أي يفعلون ما لا يليق من الأقوال والأفعال في مجالسهم التي يجتمعون فيها، لا ينكر بعضهم على بعض شيئا من ذلك، فمن قائل كانوا يأتون بعضهم بعضا في الملأ، قاله مجاهد، ومن قائل كانوا يتضارطون ويتضاحكون، قالته عائشة ﵂ والقاسم، ومن قائل كانوا يناطحون بين الكباش ويناقرون بين الديوك، وكل ذلك يصدر عنهم وكانوا شرا من ذلك.
وقال الإمام أحمد (١): حدثنا حماد بن أسامة، أخبرني حاتم بن أبي صغيرة، حدثنا سماك بن حرب عن أبي صالح مولى أم هانئ عن أم هانئ قالت: سألت رسول الله ﷺ عن قوله تعالى: ﴿وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ﴾ قال «يحذفون أهل الطريق ويسخرون منهم، وذلك